في وقت يُطرح اسم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير لتولي دور محوري في إدارة قطاع غزة بعد وقف الحرب، تثار تساؤلات عن مدى صلاحية الرجل للعب هذا الدور في ظل الإرث الثقيل الذي يحمله من غزو العراق عام 2003.
ووفقًا لصحيفة "فاينانشال تايمز"، فإن بلير قد يترأس هيئة إشرافية تُعرف باسم "السلطة الدولية الانتقالية لغزة"، ضمن خطة سلام تبلورها الإدارة الأمريكية بدعم من أطراف إقليمية ودولية.
المقترح الذي يلقى دعمًا أمريكيًا واهتمامًا بريطانيًا، وشارك بلير في صياغة ملامحه عبر معهده الخاص، يشير إلى هيئة مكونة من شخصيات دولية، تضم فلسطينيين وخبراء اقتصاديين وممثلًا أمميًا، تتولى إدارة القطاع لفترة قد تمتد حتى 5 سنوات.
ولاقى هذا المقترح اهتمامًا سياسيًا واسعًا، ليس فقط بسبب توقيته بل أيضًا بسبب شخصية بلير المثيرة للجدل.
ويعد بلير قائدا غربيا مثيرا للجدل في العالم العربي، خصوصًا بعد قراره بدعم الولايات المتحدة في غزو العراق، وهو القرار الذي استند، كما كشف لاحقًا، إلى معلومات استخباراتية غير مكتملة عن أسلحة دمار شامل.
ويقول الخبير الاستراتيجي الدكتور عامر السبايلة إن الخطة المطروحة لإدارة قطاع غزة بعد الحرب تتميز، ولأول مرة بوجود تفاهمات واضحة تجمع بين مشروع الأمم المتحدة السابق وبين التحولات التي جاءت ضمن خطة ترامب.
ويرى السبايلة في حديث لـ"إرم نيوز" أن هذه المقاربة تمثل تحولًا مهمًا في طريقة التعامل مع غزة، وتعكس تنسيقًا غير مسبوق بين الأطراف الدولية المؤثرة في الملف.
ويشير السبايلة إلى أن بلير يعد من الشخصيات التي تمتلك معرفة دقيقة بالمنطقة، ولديه علاقات وثيقة مع عدد من القادة المؤثرين في الإقليم، ما قد يمنحه قدرة على التحرك ضمن هذا المشهد.
ومع ذلك، يؤكد أن موضوع العراق، وما يحمله من إرث، لا يُتوقع أن يكون له تأثير كبير على فرص بلير في هذا السياق، خاصة إذا ما نظرنا إلى المشروع باعتباره محاولة جادة للخلاص من الوضع القائم في غزة.
ويشدد السبايلة على أن جوهر الخطة لا يتمحور حول شخصية بلير بقدر ما يعكس إجماعًا دوليًا، ومبادرة أمريكية مدعومة من الأمم المتحدة، تهدف إلى تأسيس سلطة انتقالية مؤقتة تعتمد على تكنوقراط فلسطينيين.
أما الدكتور بدر الماضي، أستاذ علم الاجتماع السياسي، فيقول إن ما تم تسريبه عبر الإعلام الأمريكي بشأن احتمال تولي توني بلير دورًا في إدارة قطاع غزة بعد الحرب يعكس حراكًا سياسيًا وإعلاميًا متزايدًا يوحي بأن هناك توجهات فعلية لإيجاد حلول سياسية جديدة في غزة.
ويعتبر الماضي في حديث لـ"إرم نيوز" أن مجرد طرح اسم بلير في هذا السياق سيحظى باهتمام واسع، خاصة في ظل الحاجة إلى صيغة انتقالية توقف الكارثة الإنسانية الجارية.
ويشير الماضي إلى أن توني بلير، رغم ارتباط اسمه في الذاكرة العربية بدوره السلبي في غزو العراق، قد لا يلقى الرفض نفسه في الحالة الفلسطينية، نتيجة تراكم المعاناة وتعقيدات الواقع الراهن.
ويضيف الماضي: "صحيح أن بلير ارتبط بمسؤولية تاريخية عن معاناة العراقيين، لكن مع مرور السنوات، وما تلا ذلك من كوارث في سوريا وغزة، باتت المأساة العراقية تبدو أقل حدة بالمقارنة، وهو ما يُضعف من حضور هذا الإرث في الذاكرة الشعبية" وفق تعبيره.
ويُرجع الدكتور الماضي هذا القبول المحتمل إلى غياب الفاعلية الشعبية في التأثير على القرارات السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، مؤكدًا أن القرار إذا ما تم اتخاذه سيكون أمريكيًا بالدرجة الأولى، وبدعم مباشر من حكومات عربية.
ويقول الماضي: "لا توجد أطر شعبية قادرة على الضغط لرفض مثل هذه التعيينات، وبالتالي فإن الاعتراض الأخلاقي أو الرمزي على بلير لن يغير من مسار هذا التوجه إذا تم تبنيه رسميًا".
ويؤكد الدكتور الماضي، أن "هناك مزاجًا عربيًا عامًا ينتظر مخرجًا فعليًا للمأساة اليومية التي يعيشها سكان قطاع غزة، وإذا كان وجود بلير في هذا الموقع سيسهم في وقف الحرب الهمجية، فإن الكثيرين سيرون في ذلك خيارًا مقبولًا"، بحسب قوله.
وكان بلير عبر في عام 2016، عن "أسفه العميق" لما جرى في حرب العراق، وأرجع أسباب الغزو لتقارير استخباراتية ثبت عدم صحتها.
ووسط هذه الحسابات، تتزايد المخاوف من أن تتحول غزة إلى مختبر دولي لتجارب سياسية جديدة لا تأخذ بعين الاعتبار السياق التاريخي للمأساة الفلسطينية، وأن يُعاد تدوير شخصيات كانت جزءًا من كوارث سابقة، في محاولة لإضفاء الشرعية على حلول مؤقتة لا تعالج جذور الأزمة.
