رئيس وزراء أستراليا: الحكومة ستتبنى إصلاحات للقضاء على الكراهية والتطرف
برزت استراتيجية "تصدير الأزمات" كأداة أساسية تعتمدها ميليشيا حزب الله، منذ أن أعلنت الحكومة اللبنانية خطتها لبسط سيادتها على كامل أراضيها وحصر السلاح بيد الجيش، حيث أفادت مصادر سياسية لبنانية لـ"إرم نيوز"، أن "حزب الله" يسعى إلى خلق توترات خارجية تُربك الداخل اللبناني وتُحوّل الأنظار نحو ساحات جانبية.
وكانت حادثة القبض على خلية مسلحة في ريف دمشق الغربي، مجهزة بصواريخ غراد ومنصات إطلاق، أبرز مثال على تلك الاستراتيجية التي تتبعها الميليشيا لعرقلة نزع سلاحه.
الحدث الذي وقع في سوريا ذو طابع سياسي يفتح جبهة جديدة تتجاوز الإطار الأمني البحت، إذ يكشف عن مأزق سيادي واضح، لأن لبنان سيجد نفسه في موقع الدولة المتهمة بالتغاضي عن نشاط جماعات مرتبطة بحزب الله على أرض دولة مجاورة، بينما تتحول العلاقة مع دمشق إلى ملف ضاغط.
في هذه الحالة، لا يعود السلاح مسألة داخلية قابلة للنقاش في بيروت فقط، وإنما يصبح أداة لإنتاج الأزمات وتشابك الملفات، ما يعقّد أي محاولة لحصره ويحوّل القضية من شأن لبناني سيادي إلى معضلة إقليمية تتداخل فيها اعتبارات الأمن والسياسة والدبلوماسية، وفق المصادر.
ركز خطاب الحزب منذ 2006 على ادعاء حماية لبنان وتبرير السلاح باعتباره "ضمانة للردع"، غير أن المشهد الراهن يكشف تحوّلاً جذرياً تجاه تصدير الأزمات نحو الخارج؛ فالخلايا التي يُكشف عنها في سوريا هي امتداد لنفوذ الحزب في بيئة إقليمية متغيّرة.
بهذا المعنى، تضيف المصادر أن حزب الله يواجه مأزقاً مزدوجاً؛ فهو يسعى للإبقاء على سلاحه كأداة لفرض السيطرة على جمهوره الداخلي، لكنه يوظّفه في الوقت نفسه كوسيلة نفوذ عابر للحدود، ما يضع لبنان في موقع المشتبه به الدائم أمام المجتمع الدولي.
النتيجة أنّ الصورة التي حاول الحزب تسويقها عن دوره "الحامي" تتحوّل تدريجياً إلى صورة ميليشياوية توسعية، عابرة للسيادة والقوانين، وهو توصيف يضاعف الضغوط الدبلوماسية والسياسية المطالِبة بإنهاء الاستثناء الذي يمثله سلاحه.
وتشير مصادر دبلوماسية غربية لـ"إرم نيوز" إلى أن التعامل الدولي مع ملف حزب الله لم يعد مقتصراً على الساحة اللبنانية، بل صار مرتبطاً بمدى انخراطه في شبكات إقليمية تمتد من سوريا إلى العراق.
هذه الشبكات، وفق المصادر، تجعل من السلاح ورقة ضغط تتجاوز الحدود الوطنية، وتحوّل لبنان إلى طرف في نزاعات لم يوافق عليها شعبه ولا مؤسساته.
من جانب آخر، كشفت المصادر أنّ الخلية التي جرى رصدها في سوريا كانت قد خضعت لتدريبات لوجستية داخل مناطق لبنانية قبل انتقالها عبر المعابر غير الشرعية.
هذه المعلومة تعني أن السلاح لم يعد مشكلة تتعلق "بالمخزن" أو "المستودع"، وإنما أصبح بنية كاملة تتكامل بين الداخل والخارج، ما يصعّب على الحكومة اللبنانية مهمة إثبات سيطرتها ويُظهرها أمام المجتمع الدولي كسلطة محاصرة في نطاقها السيادي.
كذلك، ذكرت المصادر أن دمشق، من خلال إعلانها عن الخلية الأخيرة، أرادت توجيه رسالة واضحة إلى العواصم الإقليمية مفادها أنها تتقاطع مع مطالب بيروت في حصر السلاح.
المعادلة الجديدة التي ترسمها دمشق، تقوم على إظهار نفسها كطرف راغب في الالتزام بالشرعية الدولية.
هذا الموقف يُضعف قدرة الحزب على التحرك بحرية، ويحوّله من لاعب يمتلك هامش مناورة إقليميا واسعا إلى طرف باتت خياراته تضيق يوماً بعد يوم.
يأتي إعلان وزارة الداخلية السورية ضبط الخلية كخطوة سياسية مدروسة تعكس تحوّل دمشق في طريقة تعاملها مع الحزب، وفق حديث المحلل السياسي عماد المصري لـ"إرم نيوز".
وأضاف المصري أن الإفصاح العلني عن العملية أراد أن يقطع الطريق على أي تأويل بأن سوريا الآن مستعدة لغضّ النظر عن نشاطات عسكرية عابرة للحدود.
وتابع: "الإعلان في ذاته هو رسالة مزدوجة، أولاً للحزب بأن المجال السوري لم يعد متاحاً لتصفية حساباته أو لمحاولة إعادة ترسيخ نفوذه، وثانياً للبنان والعواصم المعنية بالملف السوري بأن دمشق الجديدة تختار التموضع في خانة الشرعية الدولية".
هذا التبدل، بحسب المصري، يضع الحزب أيضاً في مواجهة واقع إقليمي متغيّر يحرمه من الغطاء الذي اعتاد عليه لعقود.

وفي المقابل، يمنح ذلك الحكومة اللبنانية ورقة إضافية لتعزيز خطابها السيادي أمام المجتمع الدولي، إذ يظهر أن مشكلة السلاح لم تعد شأناً داخلياً فحسب، وإنما ستكون مصدر قلق حتى لجوارٍ كان يُعدّ سابقاً حليفاً استراتيجياً للحزب.
اللافت في توقيت ضبط الخلية أن الحزب يجد نفسه محاصراً من أكثر من جهة، فالضغوط الدولية المتزايدة، وتشدد الحكومة اللبنانية في مسار حصر السلاح، وتبدّل البيئة الإقليمية التي لم تعد توفر له هامش المناورة السابق، كلها عوامل تضغط على حزب الله، بحسب المحلل السياسي.
وتجعل هذه التركيبة أي نشاط خارجي مكشوف عبئاً إضافياً على الداخل اللبناني، إذ يتحول سريعاً إلى دليل ملموس بيد خصوم الحزب لتأكيد أن سلاحه بات سبباً مباشراً في تقويض سلطة الدولة".
كذلك، فإن الكشف عن نشاطات عابرة للحدود يعيد ترتيب الأولويات في بيروت، فبدلاً من الانشغال بمسار الإصلاحات الاقتصادية وحدها، يصبح ملف الأمن والسيادة في صدارة المطالب الدولية، وهو ما يفاقم التحدي أمام الحكومة اللبنانية التي باتت مطالَبة بإظهار خطوات عملية للحد من نفوذ الحزب، وإلا ستجد نفسها في مواجهة اتهامات بالعجز.
وأضاف المحلل السياسي أن هذا التطور يضع الجيش اللبناني في موقف حساس، فالدعم الدولي الممنوح له مشروط بقدرته على فرض نفسه كمرجعية وحيدة للسلاح الشرعي.
ومع كل حادثة تكشف عن تسليح خارج إطار الدولة، تتعزز الضغوط على المؤسسة العسكرية لتبرير استمرار الدعم، في حين يُتهم حزب الله بأنه يجر لبنان إلى موقع الدولة الفاشلة التي لا تسيطر على حدودها ولا على قرارها الأمني.
الباحث السياسي عزام منصور، اعتبر خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أن هذا الحدث يضع الحكومة اللبنانية أمام اختبار سيادي غير مسبوق، حول إمكانية أن تُقنع المجتمع الدولي بجدية خطتها لحصر السلاح إذا كان الحزب يورّط لبنان في شبكات عسكرية تتجاوز حدوده، فضلاً عن ضرورة أن يثبت الجيش قدرته كمؤسسة جامعة في ظل نشاطات موازية تقوّض شرعيته.
وأضاف: "هنا يتحول ملف الخلايا العابرة للحدود إلى تهديد مباشر لمفهوم الأمن الوطني، وإلى ورقة إضافية بيد القوى الدولية التي تربط أي دعم للبنان بإنهاء هذه الظواهر".
وزاد بالقول: "في ضوء هذه التطورات، يبدو سلوك الحزب أقرب إلى مقامرة محفوفة بالمخاطر أكثر منه مناورة محسوبة. فالدعم الدولي للبنان مشروط اليوم بمسار واضح نحو حصر السلاح، وسوريا الجديدة تعلن أنها لن تكون مظلة لتدخلاته. داخلياً، تزداد قوة الخطاب السيادي للحكومة مع كل حادثة جديدة، في حين يجد الحزب نفسه أكثر انكشافاً أمام جمهوره وخارج حدوده".
وختم بالقول إن محاولة الحزب لتصدير الأزمات قد تمنحه وقتاً قصيراً لإعادة التموضع، لكنها في المدى المتوسط ستُسرّع من عزله داخلياً وتراجع نفوذه إقليمياً؛ فالتراكم المستمر لهذه الأزمات يجعل الحزب يبدو كمن يستثمر في الفوضى ليحمي سلاحه، وهو تحوّل خطير قد يفقده تدريجياً الشرعية التي بنى عليها موقعه السياسي والاجتماعي طوال عقود.