في لحظة سياسية مشحونة بالرهانات المتضاربة، أقر مجلس الأمن الدولي، مشروع القرار الأمريكي الداعم لخطة الرئيس دونالد ترامب بشأن غزة، بعد موافقة 13 دولة، وامتناع روسيا والصين عن التصويت، فيما لا تزال تُثار تساؤلات حساسة في الكواليس الدبلوماسية، حول مدى استعداد واشنطن للتجاوز عن مطلب النزع الكامل لسلاح حماس، للمضي بكافة مراحل الخطة.
ووصف السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، القرار بأنه "تاريخي وبناء"، لكنه في مضمونه يحمل مسارًا بالغ التعقيد، يقوم على فرضية مركزية مفادها أن نزع سلاح الحركة شرط حاسم لإطلاق مرحلة إعادة الإعمار وبناء غزة جديدة.
والسؤال الأكثر حساسية في الكواليس الدبلوماسية اليوم، يتجسد في مدى استعداد واشنطن للتجاوز عن مطلب النزع الكامل للسلاح، للمضي بكافة مراحل الخطة، وعلى رأسها مجلس السلام الذي سيرأسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ومن جهتها، تربط إسرائيل انسحابها من القطاع الفلسطيني بعملية نزع سلاح شاملة وموثوقة، بينما تدرك الولايات المتحدة أن الإصرار على المسار العسكري الكامل قد يعرقل الخطة، لتبقى احتمالية اتخاذ واشنطن لقرارات رمادية أمرًا واردًا، بحيث تتجنب غضب حليفتها إسرائيل، وتباشر بإعادة إعمار غزة مع نزع تدريجي لسلاح حماس.
الخطة الأمريكية، التي صادق عليها مجلس الأمن تحت رقم 2803، تقوم على عشرات البنود التي تعيد رسم مستقبل غزة سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، فهي تنص على وقف إطلاق النار، وإعادة الرهائن، والإفراج عن أسرى فلسطينيين، وتأسيس إدارة انتقالية تكنوقراطية بإشراف مجلس السلام برئاسة ترامب، بالإضافة إلى إطلاق مشاريع إعادة إعمار كبرى، وإنشاء منطقة اقتصادية خاصة داخل القطاع.
وأكثر بنود الخطة حساسية هو نزع السلاح الكامل لحماس، بما في ذلك تدمير الأنفاق ومنشآت تصنيع الأسلحة، وإخضاع العملية لرقابة دولية صارمة، كما تنص على نشر قوة استقرار دولية تعمل جنبًا إلى جنب مع إسرائيل ومصر والشرطة الفلسطينية المدربة حديثًا، وتقديم ضمانات من دول إقليمية بأن غزة الجديدة لن تعود إلى مربع التهديد.
وإزاء هذه التعقيدات، يتفق مراقبون على أن نقطة التفجير الأساسية تكمن في بند نزع السلاح، فلا قوة دولية أعلنت استعدادها للدخول إلى غزة لحمل هذا العبء، ولا إسرائيل مستعدة للتراجع عن شرطها المركزي، ولا حماس تبدو في وارد القبول بتجريد نفسها بالكامل من أدواتها العسكرية.
وبهذا السياق، يرى الخبير العسكري، ضيف الله الدبوبي، أن مسألة نزع سلاح حماس ستشكل اختبارًا لمدى قدرة الولايات المتحدة على الموازنة بين الواقعية الميدانية والطموحات السياسية، فالقرار الذي تحصلت عليه من مجلس الأمن منح واشنطن غطاءً دوليًا واسعًا، لكنه لم يُزل المعضلة الأساسية التي تجيب على سؤال: من هي القوة الدولية المستعدة فعليًا للدخول إلى غزة لنزع السلاح؟
ويقول الدبوبي، في حديث لـ"إرم نيوز"، إن إسرائيل ترفض الانسحاب من غزة قبل ضمان تجريد حماس سلاحها، بالمقابل يدرك الأمريكيون أن الإصرار على نزع كامل وسريع للسلاح يعني تجميد الخطة وإعادة إنتاج الفشل.
ويرجح الدبوبي أن واشنطن ستقوم بنزع تدريجي لسلاح حماس، يكون مراقبًا دوليًا، ويوازيه إطلاق مسار إعادة الإعمار، وهذا النموذج يبقي الخطة حية دون صدام مباشر مع إسرائيل، ويقدم للمنطقة إطارًا عمليًا، حتى لو كان بعيدًا عن المثالية.
ويخلص الدبوبي إلى القول إن واشنطن قد تلجأ لمعادلة استقرار اقتصادي يسبق الاستقرار العسكري الكامل، في نموذج يراهن على أن تقليص دوافع السلاح أكثر فاعلية من نزعه بالقوة.
بدوره، يقول المحلل السياسي، محمد الشياب، إن مسألة عرقلة نزع سلاح حماس لخطة ترامب تبقى عالية، لكن في المقابل فإن الرئيس ترامب لديه أولوية اقتصادية تبدأ بإعادة الإعمار، وتداخل الشق العسكري بالاقتصادي سيكون مسألة يصعب الفصل فيها، لأن أي قوة عربية أو دولية سوف تتجنب أي اقتتال في الداخل الفلسطيني.
ويتوقع الشياب، في حديث لـ"إرم نيوز"، أن تواجه مسألة نزع سلاح حماس بتغلغل الحركة داخل المجتمع الغزاوي، فهي ليست تنظيمًا مسلحًا بقدر ما هي تنظيم عقائدي، ومسألة السعي لنزع كامل وسريع لسلاحها قد يتحول إلى نقطة تعطيل للخطة، بدلًا من أن يكون مدخلًا لاستقرارها.
ووفق الشياب، فإن البيت الأبيض يدرك أن استمرار الانسداد سيحرم واشنطن من فرصة صياغة نموذج إقليمي مستقر أمنيًا واقتصاديًا، تقدمه بوصفه إنجازًا للرئيس ترامب، لذلك قد تلجأ الإدارة الأمريكية إلى مقاربة التفكيك الوظيفي لسلاح حماس، بحيث تقوم بتحييد القدرة دون استئصال الوجود، وتحويل السلاح من عنصر تهديد إلى عنصر غير قابل للاستخدام عبر رقابة دولية، بالتوازي مع بدء الإعمار.
وتخشى إسرائيل أن تلجأ الولايات المتحدة لتجاوز مرحلة نزع السلاح والانتقال مباشرة إلى إعادة الإعمار.
خطوة كهذه، إن حدثت، ستصدم إسرائيل، لكنها قد تحافظ على الخطة من الانهيار، وسط مساعي واشنطن بعدم دفن خطتها قبل ولادتها.
خلاصة المشهد، تذهب نحو مجتمع غزي يريد التخلص من ويلات الحرب، وسط رهان أمريكي، يقوم على فرضية أن تحسين حياة الناس وفتح أفق اقتصادي حقيقي سيقلص مبررات السلاح ومصادره، ويبقى السؤال الأهم: هل تستطيع واشنطن فعلًا صياغة غزة جديدة؟