غارات إسرائيلية على مناطق متفرقة جنوبي لبنان
اعتبرت مصادر عسكرية لبنانية، أن القصف المتجدد على الجنوب يشكّل بداية مرحلة ميدانية جديدة ترتبط مباشرة بنتائج الحرب على غزة ومسار المفاوضات الأمريكية – الإيرانية.
وأضافت المصادر في تصريحات لـ "إرم نيوز"، أن "الجمود في التفاهمات الإقليمية يضع لبنان في عين العاصفة، خصوصًا مع إصرار واشنطن على تسليم سلاح حزب الله ورفض الأخير لذلك".
وأوضحت أن "الانسحاب الإسرائيلي من المناطق التي سيطرت عليها في الجنوب لن يتحقق قريبًا، وسط مؤشرات على تصعيد محتمل يشمل تنفيذ اغتيالات وتوسيع المنطقة العازلة خلال الأسابيع المقبلة".
وأشارت المصادر، إلى أن "وصول السفير الأمريكي الجديد ميشيل عيسى إلى بيروت نهاية الشهر الجاري سيشكّل محطة مفصلية في متابعة هذا الملف، إذ من المتوقع أن يتولى التنسيق بين واشنطن وتل أبيب والحكومة اللبنانية لتسريع خطوات نزع السلاح ضمن رؤية أمريكية أشمل لإرساء الاستقرار الإقليمي بعد اتفاق غزة".
ورأت المصادر، أن "ما حصل في غزة سينعكس بالتأكيد على لبنان، وله تداعياته على العراق واليمن أيضًا، إلا في حال واحدة، وهي التوصل إلى حلول في المفاوضات الأمريكية – الإيرانية، لكن حتى الآن يحيط الجمود بها".
وأضافت أن "حرب غزة تقريبًا انتهت، وسوريا في طريق التحسن، بينما تبقى المعضلة في لبنان لأن المشروع إقليمي".
وتوقعت المصادر، أن يكون "التصعيد في لبنان عبر تنفيذ اغتيالات وضرب أهداف في البقاع وتوسيع المنطقة العازلة، وقد يبدأ ذلك، في الحد الأدنى، بعد نحو 20 يومًا، حتى يتبيّن مدى قدرة الجيش اللبناني على تنفيذ الخطة التي وضعتها الحكومة".
وأشارت إلى أن "حزب الله بدأ خلال اليومين الأخيرين بتكثيف نشاطه وتحريك مراكز له دون علم الجيش شمالي وجنوبي الليطاني، في ما يبدو أنه إعلان عن "ساعة الصفر"، وهو ما لوحظ من خلال استنفار قواته في منطقة صديقين، حيث تتواجد قيادة عملياتية للحزب هناك دون تحديد الهدف من ذلك.
بالمقابل، تعمل إسرائيل على تجهيز "خريطة الطريق" وتنتظر الضوء الأخضر وفق ما ستؤول إليه المفاوضات الأمريكية – الإيرانية، والتي يُتوقع فشلها، ما قد يمهّد لهجوم على لبنان.
وذكرت المصادر، أن "هناك صواريخ تابعة للحزب في منطقة البقاع لم تُستخدم سابقًا، لكن من الممكن جدًا استخدامها هذه المرة بمساعدة فنيين إيرانيين، لكن قدرات حزب الله تضررت في الحرب الأخيرة، إلا أنه قد يلجأ إلى استخدام تلك الصواريخ والطائرات المسيّرة لتنفيذ عملية ردع وضرب شمال إسرائيل، وإذا تحقق ذلك فسيكون قد أمّن معادلة الردع".
وحول المخاطر التي قد تترتب على لبنان إذا لم يتأقلم مع الوضع الجديد، أكدت المصادر أن "هناك تطورات ميدانية محتملة، إذ قد تلجأ إسرائيل إلى تكثيف ضرباتها ضد كل ما يمتّ إلى البنية التحتية لحزب الله بصلة، سواء المقاتلين أو العاملين في لوجستياته، كما حصل عندما استهدفت آليات هندسية بحجة مشاركتها في بناء بنية الحزب التحتية".
وأشارت إلى أن "الوضع الميداني سيتطور بالتوازي مع تطورات الموقف في غزة، خصوصًا في ضوء تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب التي تؤكد تمسكه بنزع سلاح حماس، سواء بالتوافق أو عبر الحرب".
بدوره، رأى الخبير العسكري والاستراتيجي العميد خالد حمادة، أن "مسألة نزع السلاح في غزة ليست شأنًا فلسطينيًا – إسرائيليًا فحسب، أو مرتبطة بأمن إسرائيل وغزة، بل هي قضية إقليمية تتجاوز حدود فلسطين وإسرائيل، وتمثل نموذجًا لما يمكن أن يحدث في لبنان".
وأضاف حمادة في تصريح لـ "إرم نيوز"، أنه "عندما تحدث ترامب عن الرئيس اللبناني جوزيف عون وأكد دعمه له في مسألة نزع سلاح حزب الله، كان يلقي عليه مسؤولية تنفيذ ذلك، في إشارة واضحة إلى التزامات لبنان السابقة".
وأوضح أن "لبنان بات في مقدمة الاهتمامات الإقليمية والدولية لإنهاء ملف سلاح حزب الله وتنفيذ الاتفاق الذي سبق أن وقع عليه، وقد يستوجب ذلك تعديلًا في الخطة التي قدمها الجيش".
ولفت حمادة، إلى أنه "بعد ما جرى في غزة لم يعد مقبولًا القول إن نزع السلاح في الجنوب يحتاج كل هذا الوقت، وأن السلاح في شمال الليطاني وباقي المناطق يجب أن يخضع لإجراءات تحدّ من تحركه".
ورأى أن "الحكومة اللبنانية ورئيس الجمهورية سيخضعان ربما في الأيام المقبلة للمساءلة بشأن مسار معالجة ملف سلاح حزب الله، وأن لبنان، الذي يلتزم القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار ونزع السلاح، سيكون أمام مشهد مختلف في الجنوب، لا سيما بعد استقرار الوضع في سوريا نسبيًا".
وأشار إلى أنه "إذا لم يتأقلم لبنان مع الوضع الجديد بجدية وواقعية، فستكون هناك تطورات ميدانية متوازية مع ما يجري في غزة بشأن سلاح حماس".
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي داوود رمّال، إن "ملف لبنان لا يمكن مقاربته بملف غزة، فالوضع مختلف كليًا. ففي لبنان دولة كاملة السيادة لها دستورها ومؤسساتها الدستورية".
وأضاف رمّال في تصريح لـ "إرم نيوز"، أن "هذه المؤسسات تقوم بمهامها كاملة، وهناك القرار الدولي 1701 واتفاق وقف الأعمال العدائية، ولبنان ملتزم بتنفيذهما، ويبقى أن تمارس الولايات المتحدة وفرنسا الضغط اللازم على إسرائيل لتنفيذ ما يتوجب عليها، وهو الانسحاب خلف الخط الأزرق ووقف الأعمال العدائية وإطلاق الأسرى وتثبيت الحدود البرية نهائيًا".
وأشار إلى أن "مسألة السلاح أصبحت محسومة بعد جلستي الحكومة في 5 أغسطس/آب و7 سبتمبر/أيلول وتقديم الجيش خطته لحصر السلاح، إذ فقد هذا السلاح وظيفته نهائيًا، وأصبح عمليًا عبئًا على حزب الله لا عنصر قوة بيده".
ولفت حمادة، إلى أن "المطلوب أن يساعد المجتمع الدولي السلطة الجديدة في لبنان على تسهيل عملية حصر السلاح عبر ممارسة الضغوط اللازمة على إسرائيل".
وأوضح أن "ما جرى في غزة يشكل درسًا للبنان، مع ضرورة الفصل بين الوضعين، فالمشكلة في غزة والضفة الغربية تكمن في غياب دولة مستقلة معترف بها حتى الآن، إذ انقلبت حماس على السلطة الوطنية عام 2007، ما عطّل مشروع قيام الدولة الفلسطينية، وجاءت أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول لتقضي على هذا الحلم لولا الإرادة العربية التي دفعت بهذا الاتجاه".
وذكر رمّال، أن "ما جرى في غزة وقمة شرم الشيخ يساعدان على الدفع باتجاه النزع الكلي للسلاح في لبنان، لأن الضغط الدبلوماسي والدولي سيركّز على بيروت لإنجاز هذه المهمة، وقد يثمر هذا الضغط نتائج إيجابية إذا ترافق مع ضغط مماثل على الجانب الإسرائيلي".
واستبعد نشوب حرب واسعة ثانية ضد لبنان، لأن الوضع القائم يناسب إسرائيل إلى حد بعيد، مشيرًا إلى "تطور إيجابي متوقع نهاية الشهر الجاري مع وصول السفير الأمريكي الجديد ميشيل عيسى، وهو لبناني الأصل وصديق مقرّب من ترامب، وله علاقة جيدة مع إسرائيل، وسيتسلّم الملف كاملًا خلفًا لتوماس باراك ومورغان أورتاغوس".
واختتم رمّال حديثه بالإشارة إلى أن "وصول ميشيل عيسى سيرفع مستوى العمل الدبلوماسي، وربما نشهد مفاوضات شبيهة بتلك التي جرت لترسيم الحدود البحرية، بما يقود إلى نتائج سريعة، لأن السقف الزمني ليس مفتوحًا أمام لبنان في ملف حصر السلاح، فالمجتمع الدولي يريد حزب الله بلا سلاح قبل الانتخابات النيابية المقررة في مايو/أيار 2026".