قال خبراء سياسيون فرنسيون إن الدعوات تصاعدت في فرنسا لإعادة تقييم اتفاقيات إيفيان 1968، التي تُعتبر الإطار القانوني الذي ينظم شروط إقامة الجزائريين في فرنسا، بعد حادثة إعادة ترحيل أثارت جدلاً واسعاً لشاب جزائري نشط على منصات التواصل الاجتماعي.
الحادثة، التي انتشرت بشكل كبير عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل، سلطت الضوء على التعقيدات القانونية والسياسية المحيطة بوضع الجزائريين المقيمين في فرنسا.
ويرى محللون أن الحادثة لم تكن سوى جزء من سلسلة طويلة من التوترات المتعلقة بسياسات الهجرة، مما دفع جهات سياسية واجتماعية إلى الدعوة لإعادة تقييم الاتفاقيات التي وُقِّعت منذ أكثر من خمسة عقود.
وتعود اتفاقيات إيفيان لعام 1968 إلى الفترة التي تلت استقلال الجزائر، ووضعت أسس العلاقات الثنائية بين البلدين. تضمنت الاتفاقيات بنوداً تمنح الجزائريين امتيازات خاصة فيما يتعلق بالإقامة والعمل في فرنسا. ومع مرور الوقت، ظهرت مطالب متعددة بمراجعة هذه البنود لمواكبة التغيرات الديموغرافية والسياسية.
قال تييري جريجوار، المحلل السياسي الفرنسي المتخصص في شؤون الهجرة لـ"إرم نيوز"، إن الحادثة الأخيرة تمثل "انعكاساً لصدام بين الالتزامات القانونية الموروثة من الماضي ومطالب الحاضر الملحّة".
وأضاف أن القوانين الخاصة بإقامة الجزائريين في فرنسا تمنحهم وضعاً فريداً لا يتماشى دائماً مع سياسات الهجرة المعتمدة مع باقي الجنسيات.
من جهته، أشار أوليفييه روا، الباحث الفرنسي في العلاقات الدولية لـ"إرم نيوز"، إلى أن "إعادة النظر في الاتفاقيات قد تكون محفوفة بالمخاطر، حيث إنها ليست مجرد وثائق قانونية بل رمز لعلاقة تاريخية معقدة بين فرنسا والجزائر".
الحادثة أثارت استنكاراً واسعاً من قبل منظمات حقوق الإنسان وبعض السياسيين الذين وصفوا إعادة الترحيل بأنها "غير إنسانية". على الجانب الآخر، استغلت بعض الأحزاب اليمينية الحادثة للمطالبة بتشديد قوانين الهجرة ومراجعة الاتفاقيات بما يتماشى مع المصالح الفرنسية.
وقالت مارين لوبان، زعيمة حزب "التجمع الوطني"، إن "استمرار العمل بهذه الاتفاقيات يُلحق ضرراً بالسيادة الفرنسية ويضع أعباء إضافية على النظام الاجتماعي".
بدوره، قال إريك سيوتي، رئيس "اتحاد اليمين الجمهوري"، دعا إلى إنهاء الاتفاقيات ومنع استقبال أي جزائريين إضافيين على الأراضي الفرنسية. فيما انتقد فلوريان فيليبو، رئيس "الحزب الوطني"، السياسة الفرنسية الحالية تجاه الجزائر، مؤكدًا أن فرنسا فقدت سيادتها واحترامها في الساحة الدولية.
بالإضافة إلى الجدل الداخلي، حذّر محللون من تأثير أي مراجعة للاتفاقيات على العلاقات الفرنسية-الجزائرية، التي تمر بفترات توتر متقطعة.
وقال جان بارثيلمي، الخبير الاقتصادي الفرنسي لـ"إرم نيوز"، إن "أي تعديل قد يثير غضب الجزائر، خاصة أن هذه الاتفاقيات ترتبط بقضايا سيادية وتاريخية حساسة".
في المقابل، دعا بعض السياسيين والخبراء إلى اتباع نهج متوازن يعالج المخاوف الأمنية والاقتصادية دون الإضرار بالعلاقة الثنائية أو المساس بحقوق الأفراد. وأكدوا أن الوقت قد حان لتحديث الاتفاقيات بما يتماشى مع الواقع الحالي، مع احترام الخصوصية التاريخية للعلاقات بين البلدين.
وتستمر الدعوات لإعادة تقييم اتفاقيات إيفيان في ظل تزايد التوترات المتعلقة بسياسات الهجرة في فرنسا. وبينما يرى البعض أن الوقت قد حان لتغيير شامل، يحذّر آخرون من تداعيات قد تزيد من تعقيد العلاقات الفرنسية-الجزائرية وتؤثر على ملايين الأفراد المرتبطين بهذه الاتفاقيات.