logo
العالم العربي

الحرب غيرت المزاج الدبلوماسي.. ماذا سيحقق الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟

متضامنون مع فلسطين في العاصمة البريطانية لندنالمصدر: (أ ف ب)

أصبحت بريطانيا وكندا وأستراليا أولى الاقتصادات الغربية الكبرى التي تعترف رسميًا بدولة فلسطينية، في خطوة أعلنها رئيسا الوزراء البريطاني والكندي كير ستارمر ومارك كارني قبيل انطلاق أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. 

وتعكس هذه الخطوة، التي طالما ترددت العواصم الغربية في اتخاذها، تحولًا في المزاج الدبلوماسي، رغم التحذيرات الشديدة من إسرائيل وحلفائها، بحسب تقرير نشرته مؤسسة ”دويتشه فيله“ الإعلامية الألمانية.

ومن المتوقع أن تحذو فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا حذوها خلال قمة أممية تعقد غداً الاثنين لبحث الحرب في غزة. القمة، التي تأتي بمبادرة تقودها فرنسا والسعودية، تهدف إلى إحياء حل الدولتين، أي قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، باعتباره المخرج الوحيد من الصراع المستمر منذ عقود. 

يُذكر أن أكثر من 145 دولة عضواً في الأمم المتحدة تعترف بالفعل بفلسطين، إلا أن القوى الغربية الكبرى كانت حتى الآن تمتنع عن ذلك.

 الاعتراف في ظل الحرب

يأتي هذا التحرك بينما تواصل إسرائيل حربها في قطاع غزة. وأكد تقرير حديث للجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، وهو اتهام رفضته إسرائيل والولايات المتحدة رفضًا قاطعًا.

وترى كل من إسرائيل وواشنطن أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يشكل مكافأة لما تصفه بـ"الإرهاب"، في إشارة إلى هجمات 7 أكتوبر 2023 التي قادتها "حماس" وأسفرت عن مقتل نحو 1200 شخص في إسرائيل، والتي كانت الشرارة لبدء الهجوم الإسرائيلي على غزة.

أخبار ذات علاقة

متظاهرون يحملون العلم الفلسطيني

بريطانيا وكندا وأستراليا تعترف رسميا بدولة فلسطينية

رمزية أم جوهرية؟

أشار التقرير إلى أن كثيرًا من الفلسطينيين ومناصريهم يعتبرون الاعتراف الدولي بفلسطين خطوة مرحّبًا بها، لكنها غير كافية في حد ذاتها. وتقول إيناس عبد الرازق، مديرة المناصرة في ”معهد الدبلوماسية العامة“ الفلسطيني، إن الاكتفاء بالخطوات الرمزية دون إجراءات ملموسة يترك الفلسطينيين "بلا عدالة ولا دولة، بل بهوة متسعة بين الواقع المعاش والأداء الدولي“.

ولا يقتصر القلق على الرمزية وحدها، إذ يحذر محللون من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد يرد على موجة الاعتراف بتصعيد أكبر.

ويشير ريتشارد غوان من ”مجموعة الأزمات الدولية" إلى أن نتنياهو، الذي صرّح مؤخرًا بأنه "لن تكون هناك دولة فلسطينية"، قد يستغل الأمر لإعلان خطط لضم أراضٍ فلسطينية.

كما كتب الصحفي أوين جونز في صحيفة ”الغارديان“أن الإجراءات الغربية ضد إسرائيل اتسمت بطابع "أدائي"، هدفه تهدئة الرأي العام الداخلي أكثر من التأثير في الواقع الميداني.

هل يجلب الاعتراف السلام؟

قلة قليلة تعتقد أن الاعتراف وحده كفيل بإنهاء الحرب في غزة. ويصف الصحفي جدعون ليفي في صحيفة ”هآرتس“ الاعتراف بأنه "كلام أجوف"، مؤكدًا أن وقف الإبادة لن يتحقق إلا من خلال العقوبات والمقاطعة وخطوات عملية من المجتمع الدولي.

ويرى خبراء القانون أن الاعتراف لا يغير الوضع ميدانيًا بشكل فوري، لكنه يعزز موقف الفلسطينيين في المنابر الدولية ويمنحهم ثقلًا أكبر في المفاوضات.

وتوضح المفاوضة نُعومي بار-يعقوب: "عندما تتفاوض دولة مع دولة، يختلف الأمر عن تفاوض بين دولة وكيان غير معترف به".

ترقية دبلوماسية

يُعد الاعتراف بمنزلة "ترقية" دبلوماسية لفلسطين. فالدول التي تعترف بها، مثل فرنسا أو بلجيكا، ستكون ملزمة بمراجعة علاقاتها الثنائية والتزاماتها القانونية تجاهها، الأمر الذي قد يؤدي أيضًا إلى إعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل.

لكن خبراء يحذرون من أن الاعتراف يجب أن يكون بداية لسياسة لا نهايتها. ويقول أنس إقطايت، المحاضر في الجامعة الوطنية الأسترالية: "الاعتراف ليس سياسة، بل هو افتتاحية. العمل الحقيقي يبدأ في اليوم التالي".

ويتفق هيو لوفات من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، مع هذا الرأي مشددًا على أن الاعتراف يمثل إعادة تأكيد مهمة على حقوق الفلسطينيين، ومنها الحق في تقرير المصير والتحرر من الاحتلال، لكنه يحتاج إلى إجراءات عملية مرافقة.

أخبار ذات علاقة

رجل يحمل العلم الفلسطيني

بعد اعترافات غربية بالدولة الفلسطينية.. غضب إسرائيلي ودعوات لإجراءات "انتقامية"

 خطوات للمساءلة

يناقش الاتحاد الأوروبي بالفعل إجراءات تتجاوز الاعتراف. فقد دعت مفوضة السياسة الخارجية، كايا كالاس، الدول الأعضاء إلى زيادة الرسوم الجمركية على بعض السلع الإسرائيلية وفرض عقوبات على المستوطنين ومسؤولين إسرائيليين بارزين.

ويشير دبلوماسيون في بروكسل إلى أن إيطاليا، التي كانت تعارض سابقًا وقف تمويل الأبحاث العلمية لإسرائيل، قد تتراجع عن موقفها.

هذه التطورات تعكس تحولات في الرأي العام والسياسي الأوروبي، حيث تصاعد الغضب إزاء الكارثة الإنسانية في غزة منذ 2023. فالاعتراف، الذي كان يُنظر إليه في السابق كغاية بحد ذاته، بات يُعتبر اليوم جزءًا من استراتيجية أوسع.

الطريق إلى الأمام

لا شك أن الاعتراف بفلسطين من قبل اقتصادات غربية كبرى خطوة رمزية، لكن الرموز في الدبلوماسية لها ثقلها. كما يقول لوفات: "الرمزية ليست دائمًا أمرًا سلبيًا، فهي تعزز مبادئ تقرير المصير وتشير إلى تغير في مسار الرأي العام الدولي".

ويضيف: "قبل ثلاث سنوات، كان الاعتراف قد يشكل نهاية القصة. أما اليوم، فهناك حزمة إجراءات تُطرح بالتوازي. ينبغي النظر إلى الاعتراف كمسار متحرك، قد لا نصل إليه غدًا، لكن الاتجاه بات واضحًا".

بالنسبة للفلسطينيين، الاعتراف تأكيد على حقوقهم وفرصة سياسية، لكنه لا يغير واقع الاحتلال والصراع والمعاناة الإنسانية ما لم يُترجم إلى خطوات ملموسة. أما لإسرائيل، فهو يشكل تحديًا جديدًا لعزلتها الدبلوماسية، رغم تعهد حكومتها بالمقاومة.

في النهاية، أكد التقرير أن الاعتراف وحده لا يصنع السلام. لكنه يمثل تحوّلًا مهمًا في الدبلوماسية الدولية، قد يعيد رسم ملامح النقاش عن مستقبل فلسطين ودور إسرائيل في المنطقة لسنوات مقبلة.

 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC