أثارت الزيارة التي يعتزم أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي لاريجاني، إجراءها إلى لبنان الأربعاء القادم، ردود فعل عاصفة، إذ تأتي بعد تصريحات من طهران بشأن رفضها نزع سلاح حزب الله، رأت فيها بيروت تدخلا سافرا بشؤون البلاد الداخلية.
وقالت مصادر في وزارة الخارجية اللبنانية لـ"إرم نيوز" إن الوزير يوسف رجي، اتخذ قرارا برفض استقبال لاريجاني في حال طلب مكتبه ذلك، في ظل تأكيدات أن لاريجاني لم يتقدم حتى الآن بمثل هذا الطلب.
وأضافت المصادر، أنّ السفارة الإيرانيّة في بيروت طلبت تحديد مواعيد للاريجاني مع الرؤساء الثلاث، الجمهورية؛ جوزيف عون، الحكومة؛ نواف سلام والبرلمان؛ نبيه بري.
وفي السياق أكّدت مصادر في رئاسة الحكومة اللبنانية لـ "إرم نيوز" أنّ لاريجاني سيصل إلى بيروت بعد غد الأربعاء، وطلب تحديد موعد للقاء رئيس الحكومة نواف سلام.
وأضافت المصادر أنّ موقف الرئيس سلام واضح فيما يتعلق بالتمسك بالقرار الصادر عن حكومته بحصر السلاح بيد الدولة وحدها من جهة، ورفض التدخل الإيراني في شؤون الدولة اللبنانيّة لا سيّما السيادية، خصوصًا بعد التصريحات الأخيرة التي صدرت عن أكثر من مسؤول الإيراني، برفض تسليم سلاح حزب الله، والتي صبت في اتجاه التدخل المرفوض في الشؤون الداخليّة.
وتأتي زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي لاريجاني للبنان، في توقيت داخلي دقيق، بعد أسبوع على اتخاذ الحكومة اللبنانيّة قرارًا غير مسبوق وُصف بالتاريخي، لجهة حصر السلاح بيد القوى الشرعيّة وحدها، وتكليف الجيش اللبناني وضعَ جدول زمني لنزع السلاح غير الشرعي، قبل نهاية العام الحالي.
من جهته قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانيّة وليد صافي، إن زيارة لاريجاني لبيروت في هذا التوقيت، تأتي في بإطار سعي إيران لتأكيدها على البعد الإقليمي لسلاح حزب الله.
ولفت صافي في حديثه لـ "إرم نيوز" إلى أنّ إيران ومنذ قرار الحكومة يوم الثلاثاء الماضي حصر السلاح بيد الدولة دأبت على مهاجمة القرار في تدخّل فاضح في الشأن اللبناني الداخلي.
في هذا الإطار تأتي تصريحات مستشار المرشد الأعلى في إيران علي أكبر ولايتي، وأمين المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجيّة الإيرانيّة علي باقري كني، بقولهما إن مسألة نزع سلاح حزب الله ستفشل، فضلًا عن تصريح مماثل لمساعد قائد فيلق القدس الإيراني التابع للحرس الثوري الإيراني ايرج مسجدي قال فيه إنّ "نزع سلاح المقاومة في لبنان حلم سيدفن مع أمريكا وإسرائيل".
ورغم البيانات الرسميّة اللبنانيّة الشاجبة لهذا التدخل، لم تقدّم إيران أيّ اعتذار للبنان قبل زيارة لاريجاني، وفي ذلك تأكيد على موقفها الرافض لتسليم السلاح.
وتابع صافي: "لا زالت إيران متمسّكة بمقاربتها السابقة باعتبار كلّ مكونات محور "المقاومة" من العراق إلى لبنان واليمن جزءًا من سياساتها الخارجيّة ومن قواتها المسلّحة، وهذا فعلًا ما صرّح به وزير الدفاع الحالي عند تشكيل أول حكومة في عهد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عندما قال حرفيًّا أمام مجلس الشورى إنّ جبهة المقاومة في المنطقة تعتبر جزءًا لا يتجزأ من القوات المسلّحة الإيرانيّة، بالتالي زيارة لاريجاني اليوم، رغم محاولاته تغليفها بستار دبلوماسي مغاير للتصريحات السابقة، إنّما هي للتأكيد على هذه السياسة وعلى أدوار ما يُعرف بأذرع إيران في المنطقة".
وفيما يتعلق بتصريح لاريجاني خلال تواجده في العراق بأنّ"المواقف الإيرانية تجاه لبنان كانت دائماً واضحة تحت عنوان الحفاظ على الوحدة الوطنية اللبنانية في أيّ ظرف، والتأكيد على استقلال لبنان وتعزيز العلاقات الاقتصاديّة والتجاريّة الثنائيّة"، أجاب صافي "اللبنانيون لا يحتاجون دروسًا من إيران لصون الوحدة الوطنيّة، فهناك قرار على أعلى المستويات بعدم الصدام الداخلي مع حزب الله، كما أنّه ليس في مصلحة الحزب أن يذهب في صدام مع الجيش ومع أيّ مكون من المكونات اللبنانيّة.
وزاد صافي: "هل ستسمح إيران لحزب الله أن يسلّم سلاحه للدولة وأن يتحوّل إلى حزب سياسي؟ لا أعتقد ذلك، بدليل استمرار السلطات الإيرانية بدعم الحزب كمنظّمة عسكريّة خارج إطار الدولة اللبنانيّة.
كما تساءل صافي عما إذا كانت إيران تنتظر فتح مسار التفاوض الجدي مع الولايات المتحدة الأمريكيّة حول ملفها النووي، لتبيع سلاح حزب الله، وتتقاضى ثمنه مباشرة، بحيث تعلّق حاليًا موافقتها على تسليم السلاح، بانتظار حصول المفاوضات، لتوظّف هذه الورقة مقابل مكاسب تحقّقها في الملف النووي الإيراني أو في حصولها على مكاسب إقليمية أخرى.
يُذكر أنّ الإعلان عن زيارة لاريجاني لبيروت لاقى ردود فعل غير مرحبّة من قبل عدد من القوى السياسية.
في السياق عبّر رئيس حزب"حركة التغيير" ايلي محفوض عن "رفضه لزيارة المسؤول الإيراني علي لاريجاني لبنان وكتب عبر منصة"إكس" :" لبنان دولة وجمهورية تستقبل عادة ضيوفها بترحاب، وتفتخر بعلاقاتها مع عواصم صديقة ، ولأنّ لكل قاعدة استثناء، نعتبر حضور المسؤول الإيراني علي لاريجاني إلى لبنان بمثابة زيارة غير مرّحب بها ولزوم ما لا يلزم".
وأضاف "صفاقة وجسارة مفرطة أن توفد إيران مبعوثيها إلى لبنان، بخاصة بعد السقطات المتمادية تجاهنا، من قبل دولة تزرع الفوضى والحروب في بلاد الأرز".
بدوره رأى النائب في البرلمان اللبناني في كتلة "الجمهورية القوية" زياد حواط أنّ الزيارة تحمل مهمة تحريضيّة، وكتب عبر منصة "إكس": ما يجري من تدخّل إيراني سافر في ملف تسليم سلاح حزب الله والتحريض على المعاندة والاحتفاظ بالسلاح، يتناقض مع الدستور والقوانين ومفاهيم قيام الدولة ومع المصلحة اللبنانية ومع والأعراف الدولية. كل هذا في وقت تواصل فيه إيران الحفاظ على المصلحة الإيرانية من خلال قنوات اتصال وحوار مفتوحة مع الولايات المتحدة. آن الأوان لوقف هذه المهزلة المضحكة: تحريض وتهويل في لبنان من خلال الحليف، وحوار وترتيب للمصالح والمكاسب خارج لبنان. المطلوب لبنان أولاً بالممارسة العملية في لحظة تاريخّية حساسة ومعقّدة. خلّوا إيران في إيران، ولبنان ومصلحة اللبنانيين في أيدي المسؤولين اللبنانيين تحت سقف الدولة والدستور والطائف".
وفي السياق نفسه، زار رئيس "حزب الكتائب" النائب سامي الجميّل مع أعضاء كتلته، رئيسّ الحكومة نواف سلام دعمًا لمواقف حكومته بنزح سلاح القوى غير الشرعية، ومن السراي الحكومي قال الجميّل " أتينا لتهنئة دولة الرئيس، ولنشدّ على يده، ونتمنّى له التوفيق في كل ما يقوم به، ونحييه على صلابته ومواقفه الشجاعة" لافتًا إلى أنّ لبنان دفع ثمناً باهظاً لسياسة إيران وتدخلها المباشر.
وردًا على سؤال عن زيارة لاريجاني قال الجْميّل "حزب الكتائب يرفض رفضاً قاطعاً كلّ التصريحات الإيرانيّة، سواء صدرت عن مستشار خامنئي، أو وزير الخارجية، أو نائبه، أو مسؤولي الحرس الثوري الإيراني، لما تمثله من انتهاك لسيادة لبنان وتعدٍّ على قرار الدولة اللبنانية.
وتابع: "هذه التصريحات مرفوضة شكلاً ومضموناً، وعلى إيران أن تحترم قرار لبنان وسيادته ومصلحته. فلبنان دفع ثمناً باهظاً لسياسة إيران وتدخّلها المباشر عبر تمويل وتسليح حزب الله وجرّه إلى معارك، دفع أثمانها جميع اللبنانيين".
ودعا القيادة الإيرانية "أن تتحلّى بحدّ أدنى من التواضع بعد ما مرّت به المنطقة وما مرّوا هم به، وأن تتعامل مع لبنان باحترام أكبر" على حد تعبيره.