سارة عيسى
أجمع خبراء ومحللون، على أن "المقابر الجماعية" في سوريا تمثل رمزًا صارخًا لسياسة القمع الممنهج التي اتبعتها الأنظمة الاستبدادية، من أجل طمس الأدلة على الممارسات التي ترتكب بحق السجناء.
وشدد الخبراء على أن الكشف عن هذه الجرائم، بفضل الأدلة الحديثة مثل صور الأقمار الصناعية، يفتح الباب أمام تحقيقات دولية قد تمهد لمساءلة المسؤولين عنها، ما يسلط الضوء على أهمية فضح هذه الانتهاكات لضمان العدالة وإنصاف الضحايا.
القمع كأداة لاستقرار الأنظمة الاستبدادية
وفي هذا السياق، قال المتخصص في الشؤون الدولية، صلاح النشواتي، إن "الأنظمة الاستبدادية تعتمد على القمع كأداة للحفاظ على سلطتها وبنيتها الطبقية التي تتكون من علاقات اجتماعية واقتصادية تعيد إنتاج النظام نفسه".
وأوضح النشواتي أن "هذه الأنظمة لا تميز بين الوسائل الإنسانية والوحشية لتحقيق أهدافها، بل ترى أن جميع الوسائل مشروعة ما دامت تحقق الغاية الكبرى المتمثلة في الحفاظ على الاستقرار وصون علاقات القوة داخل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي".
وأضاف النشواتي، في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن "الفئة الحاكمة تدرك أن وسائلها القمعية غير مشروعة على المستوى الدولي، ما يدفعها إلى إخفاء آثار ممارساتها بطرق معقدة تجعلها صعبة الرصد".
وأشار إلى أن "هذه الأنظمة تعزز من أجهزتها الأمنية التي تلعب دورًا محوريًا في نزع الصفة الإنسانية عن خصومها، وفي بعض الأحيان تعتمد الوحشية كوسيلة لفرض النفوذ الداخلي".
كما لفت إلى أن "انهيار علاقات القوة بين الطبقات الاجتماعية يؤدي إلى تكوين بنى جديدة عبر أطراف خارج السلطة، ما يفتح المجال لتصاعد عمليات الملاحقة والتصفية".
واستشهد بما حدث في سوريا، حيث أدى تعدد الفاعلين المحليين والإقليميين، إلى جانب تدخل قوى كبرى، إلى تحول النظام إلى ماكينة قمع وحشية تعتمد على التعذيب والقتل الجماعي لمواجهة انهيار السلطة.
وأضاف أن "هذه الممارسات أصبحت قابلة للرصد من خلال مراقبة المقابر الجماعية عبر الأقمار الصناعية".
استراتيجية طمس الأدلة وكسر إرادة المجتمع
ومن جهة أخرى، يرى الكاتب والمحلل السياسي، محمد التميمي، أن "المقابر الجماعية تمثل فصلاً مظلمًا في تاريخ سوريا الحديث، وأن النظام السابق اعتمد سياسة منهجية لإخفاء جرائمه عبر هذه المقابر لعدة أسباب استراتيجية".
وقال التميمي في حديثه لـ"إرم نيوز": "ظهور أدلة قد تدين النظام في المحاكم الدولية، بالإضافة إلى تجنب تحويل مواقع دفن الضحايا إلى رموز للمقاومة أو نقاط تجمع للاحتجاجات، كما حدث في تجارب دول أخرى، يعدان من الأسباب الرئيسة لاستخدام هذه المقابر".
وأضاف التميمي أن "حرمان عائلات الضحايا من حق الدفن الكريم والحداد يسهم في ترهيب المجتمع وإضعافه".
واعتبر أن "اكتشاف هذه المقابر اليوم يعد دليلاً قاطعًا على المنهجية التي اعتمدها النظام في تعامله مع معارضيه".
وأوضح أن "هذه الأدلة تفتح المجال أمام تحقيقات دولية قد تفضي إلى محاكمات جنائية مستقبلية".
واختتم بالقول إن "المقابر الجماعية تبقى شاهداً مأساوياً على حجم الانتهاكات المرتكبة، وتشكل نداءً عاجلاً لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا وذويهم".