تثير العملية الأمنية التي نفذتها قوات تركية مؤخرًا ضد عناصر من "داعش" داخل سوريا، بالتنسيق مع دمشق، تساؤلات حول إمكانية تحول كل من أنقرة ودمشق إلى شريكتين لواشنطن في محاربة التنظيم بدلًا من قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
ومنذ نحو عشر سنوات، كانت واشنطن تعتمد على "قسد" في محاربة التنظيم المتشدد.
وتعد تلك العملية الأولى من نوعها بين المخابرات وقوات الأمن التركية والسورية، منذ إعلان وزارة الدفاع التركية في أغسطس/ آب الماضي عن إنشاء مركز عمليات مشترك ضد "داعش".
كما تتزامن العملية مع مطالب أنقرة ودمشق بحل وحدات حماية الشعب الكردية، التي تشكل الجزء الرئيسي من قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شمال شرقي سوريا، ودمج عناصرها في الجيش السوري.
ووفق بيان وزارة الداخلية التركية، تمكنت قوات الأمن التركية بالتنسيق مع جهاز الأمن الداخلي السوري من القضاء على خلية تابعة لتنظيم داعش، بعملية مشتركة نُفذت في مدينة أطمة بريف محافظة إدلب شمالي سوريا.
وقالت الوزارة، فجر الاثنين، إنه جرى تنفيذ العملية لمطاردة خلية مكونة من 14 شخصًا ينتمون لعائلة تتبنى فكر تنظيم داعش، قتل خلالها 8 عناصر من الخلية، وأصيب اثنان، وتم توقيف أربعة آخرين.
ومن اللافت أن العملية جاءت كرد فعل على عملية للخلية أسفرت عن مقتل مواطن تركي كان يقل عناصرها عبر حافلته الخاصة، قبل أن تقود عملية البحث عنه لاكتشاف جثمانه مدفونًا في منطقة برية داخل تركيا، وتبدأ أنقرة عملية التتبع والملاحقة التي انتهت في سوريا بذلك الشكل.
ويرى محللون سياسيون أن تركيا لديها معركة متواصلة مع تنظيم داعش، سواء عبر مكافحة خلاياه وعملياته في الداخل، أم حتى خارج الحدود القريبة في سوريا المجاورة، وأن تلك المعركة متواصلة منذ سنوات بتنسيق أو من دونه مع واشنطن.
وقال المحلل السياسي التركي، علي أسمر، إن "داعش" عدو مشترك بين أنقرة ودمشق، ومن الطبيعي أن نرى تنسيقًا مشتركًا بينهما ضد هذا التنظيم، بمعنى أن تركيا تكافح تنظيم داعش من أجلها وليس من أجل واشنطن.
وأضاف أسمر، لـ"إرم نيوز"، أن "حقيقة مكافحة داعش من قبل تركيا ليست بالشيء الجديد، حيث شهدنا على مدار سنتين العديد من المداهمات داخل تركيا لتفكيك خلايا التنظيم، وآخرها كان قبل شهر عندما جند داعش شابًا تركيًا لمهاجمة مقر شرطة، ما أسفر عن مقتل اثنين من أعضاء الشرطة التركية".
ووضعت العملية الأمنية الأخيرة ضد "داعش" أنقرة في موقع البديل لقوات "قسد"، التي حظيت طوال السنوات الماضية بدعم أمريكي كبير، حيث مثلت قوات مدربة على الأرض لمكافحة التنظيم.
وتطالب أنقرة بحل تلك القوات التي تعتبرها فرعًا لحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه إرهابيًا، بالتزامن مع تغييرات جذرية تمثلت في عملية سلام جارية مع الحزب في تركيا، تتضمن حله وإلقاء عناصره للسلاح، بجانب وصول سلطة حليفة لأنقرة في دمشق.
ووفق المحلل أسمر، فإن تركيا أعطت فرصة ومساحة للحكومة السورية لحل ملف قوات سوريا الديمقراطية، والمهلة ستنتهي في نهاية العام الجاري، دون أن تخفي أنقرة الخيار العسكري من على الطاولة حال تعثر المسار السياسي.
وترى دراسة بحثية لمركز "عمران" للدراسات الاستراتيجية، أنه مع سقوط نظام بشار الأسد، وإضعاف أذرع إيران في المنطقة، يبدو أن معظم المصالح الأمريكية قد تحققت بالفعل، ليبقى ضمان تلك المصالح وغيرها قرينًا بالتفاهمات التركية - الأمريكية من جهة، والتفاهم مع الإدارة الجديدة في دمشق من جهة أخرى.
وتشير الدراسة، التي أعدها المركز هذا العام، أن الولايات المتحدة لم تلزم نفسها بأي وعود قطعية لـ"قسد" فيما يتعلق بمستقبل "الإدارة الذاتية" التي أنشأتها، وتموضعها السياسي والعسكري في سوريا، وتأكيدها المستمر على أن دعمها لقوات سوريا الديمقراطية ينحصر في الإطار العسكري وجهود مكافحة تنظيم داعش.
وضمن هذا السياق، يبدو أن موقف الإدارة الأمريكية سيركز مبدئيًا على تشجيع "قسد" على التفاهم مع الإدارة الجديدة في دمشق، كما شجعتها سابقًا على محاولة التفاهم مع نظام الأسد، وربما قد تزداد الضغوط الأمريكية على "قسد" لإنجاح مسار المفاوضات، وذلك بفعل عوامل عدة، على رأسها؛ احتمالية توصل الجانب التركي إلى تفاهم معين مع الولايات المتحدة في المنطقة.
ويظل تطبيق تلك التوقعات على الأرض معقدًا، حيث يواجه أي بديل تركي سوري تحديات كثيرة في المهمة التي ستوكل لذلك البديل في الجوانب الأمنية والعسكرية والجغرافية.
فطوال سنوات، حظيت قوات "قسد" بتدريب أمريكي احترافي عبر ضباط أمريكيين موجودين على الأرض، بجانب دعم في العتاد والمال، الذي ساهم في تشكل قوة كبيرة خاضت بالفعل معارك شرسة ضد "داعش" في أوج قوة التنظيم.
كما يظل ملف سجون ومخيمات التنظيم التي تديرها قسد شائكًا ومعقدًا، ويرتبط بالعديد من الدول بالنظر لانتماء أعضاء "داعش" وأسرهم لدول عديدة.
ومقابل تلك التعقيدات، لا تزال القوات العسكرية والأمنية في سوريا، بمرحلة البداية والتأسيس الذي يعكسه بقاؤها غير موحدة بشكل كامل حتى الآن، بجانب تسجيل اختراقات أمنية وعمليات عسكرية بين فصائل السلطة وأخرى سورية مناوئة لها، كما هو الحال في السويداء.
وفي الداخل التركي، ترتبط عملية السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، الجارية الآن، بحلٍ مرضٍ للملف الكردي في سوريا، ما قد يؤثر على خطط أنقرة في حل "قسد"، ودمجها في الجيش السوري، والانخراط في دولة وحكومة موحدة بدمشق.