لم تؤكد حركة حماس بعد نبأ اغتيال المتحدث باسم جناحها العسكري حذيفة سمير عبد الله كحلوت، المعروف إعلاميًا بـ"أبوعبيدة"، لكن دوائر استخباراتية إسرائيلية مشفوعة بمعلومات صحافية، أكدت اغتياله الليلة الماضية خلال عملية عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة.
وأفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في نبأ عاجل فجر اليوم الأحد باغتيال "أبوعبيدة" في غارة إسرائيلية، استهدفت منزله في حي الرمال غرب غزة.
كما أوضحت الصحيفة أن الغارة أودت بحياة جميع من كانوا في الوحدة السكنية التي تعرضت للقصف.
وفيما نقلت الصحيفة العبرية عن مصدر فلسطيني (لم تسمه) تأكيد عائلة "أبو عبيدة" وقادة كتائب عز الدين القسام نبأ الوفاة، أحجمت حماس حتى الآن عن تأكيد الخبر.
في محاولة لرسم ملامح شخصيته، التي طالما تخفت أمام وسائل الإعلام وراء كوفية فلسطينية تراثية حمراء، قالت "يديعوت أحرونوت" إن "حذيفة سمير عبد الله الكحلوت، المعروف بأبو عبيدة، هو المتحدث الرسمي باسم الجناح العسكري لحركة حماس، الذي استحال خلال الحرب على غزة وحتى قبلها إلى شخصية ذائعة الشهرة، تحظى بشعبية واسعة لدى داعمي الحركة في العالم العربي".
وبينما وصفت بصورة قلمية عن "أبو عبيدة"، أشارت الصحيفة العبرية إلى أنه بدأ ظهوره الإعلامي منذ عام 2002، كأحد كبار القادة الميدانيين في جناح حماس العسكري، حضر جميع المؤتمرات الصحفية للحركة خلال تلك الفترة، لكنه لم يظهر علنًا قط.
وبعد خطة فك الارتباط الإسرائيلية عن قطاع غزة عام 2005، تم تصعيده ليصبح متحدثًا رسميًا باسم كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس.
وفي 2013، حصل "أبوعبيدة" على درجة الماجستير من "الجامعة الإسلامية" في كلية أصول الدين، وكانت أطروحته تحت عنوان "الأرض المقدسة بين اليهودية والمسيحية والإسلام". وبعد عام، تواترت معلومات حول إعداده لنيل درجة الدكتوراه.
أما فيما يخص لقب "أبوعبيدة"، فرجَّحت الصحيفة العبرية مردُّه إلى الصحابي "أبي عبيدة بن الجراح" قائد جيش الخليفة عمر بن الخطاب بعد وفاة النبي محمد (ص).
قبل حرب 1948، كانت عائلة "أبو عبيدة" تقيم في قرية "نيليا" بمنطقة عسقلان، لكن أسرته انتقلت لاحقًا للإقامة في قطاع غزة.
ووفقًا لمعلومات جرى تداولها في العقد الفائت، كان "أبو عبيدة" يقيم في جباليا شمال قطاع غزة. نظرًا لأنشطته في حماس، قصفت إسرائيل منزله غير مرة في الفترة ما بين 2008 و2012؛ كما كررت استهدافها للمنزل ذاته خلال عمليتها العسكرية عام 2014، المعروفة بـ"الجرف الصامد".
ولا تستنكف الصحيفة العبرية اعترافًا باقتناص "أبو عبيدة" شعبية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخلع عليه الروَّاد خلال الحرب لقبًا شائعًا "المُحجَّب".
نظرًا لذلك، استخدمته حماس لاستعراض آخر المستجدات حول القتال في قطاع غزة، وكان يدلي عادة بإيجازات حول الأحداث اليومية مع حرص شديد على إخفاء هويته أمام عيون الكاميرات.
مع ذلك، وفي بداية الحرب، كشف الجيش الإسرائيلي عن اسم ووجه "أبو عبيدة"؛ وفي بيان بعد أيام قليلة من 7 أكتوبر 2023، تلى الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي بيانًا حوله، جاء فيه: "إنه يختبئ وراء لقب "أبو عبيدة" وكوفية حمراء، تمامًا كما تختبئ حماس خلف منشآت مدنية لإطلاق الصواريخ على إسرائيل. هو، كغيره من قادة حماس، يحب الاختباء: في الأنفاق، خلف النساء، والأطفال، وأيضًا خلف الأقنعة والظلال".
ولم تكن مطاردة إسرائيل الأخيرة لـ"أبو عبيدة" هي الأولى من نوعها فخلال عملية إسرائيل في قطاع غزة عام 2014 المعروفة بـ"الجرف الصامد"، طوَّقت القوات الإسرائيلية غير مرة "قناة الأقصى" الناطقة باسم حماس، وبثت من هناك صورًا تكشف وجه "أبو عبيدة"، ودعت سكان غزة إلى "عدم تصديق هذا الكذاب".
حينها نقلت "يديعوت أحرونوت" عن مصادر وصفتها بالصحفية أن "أبو عبيدة" ليس مجرد ناطق باسم حماس أو القسام، بل أصبح ظاهرة عامة، ويقال، من جملة ما قيل، إنه في الفترة التي تلت عملية "الجرف الصامد"، نشرت قصائد تكريمًا له، جاء في إحداها: "يا مُلثم يا أبو الكوفية، يا رعب اليهود، يا أبوعبيدة، طموحك قوي، وتصريحاتك كالبارود".
وفي ساعة متأخرة من مساء أمس السبت، أعلن الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك)، أن "طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي استهدفت إرهابيًا رئيسيًا في حماس"، بينما قالت تقارير صحافية إسرائيلية إن العملية التي يدور الحديث عنها استهدفت اغتيال "أبوعبيدة".
لكن الجيش الإسرائيلي استطرد في بيانه، مشيرًا إلى أنه "قبل الهجوم، تم اتخاذ العديد من الخطوات لتقليل فرصة إلحاق الأذى بالمدنيين، بما في ذلك استخدام الأسلحة الدقيقة والمراقبة الجوية ومعلومات استخباراتية إضافية". في المقابل، أفاد فلسطينيون بأن الهجوم نفذ على مبنى "بسيسو" الواقع في حي الرمال غرب مدينة غزة، حسب "يديعوت أحرونوت".
وفي مايو/ أيار الماضي، تواترت تقديرات الجيش الإسرائيلي، وارتأت أن "المتحدث الشهير كان برفقة محمد السنوار، قائد الجناح العسكري للمنظمة الإرهابية وشقيق زعيمها السابق، يحيى السنوار، الذي قُتل في هجوم على المستشفى الأوروبي في خان يونس".
وفيما لم تؤكد إسرائيل هذه التقديرات في حينه، إلا أن حماس اعترفت الليلة الماضية فقط بمقتل محمد السنوار في الهجوم الإسرائيلي، رغم أن الجيش الإسرائيلي أكد القضاء عليه بعد حوالي أسبوعين ونصف من الهجوم.
ولم تؤكد حماس حتى الآن أن الهجوم الإسرائيلي الأخير استهدف "أبوعبيدة"، وأصدرت أجهزة الأمن الداخلي في حماس بيانًا منفصلًا، حذرت فيه من نشر الشائعات حول اغتيال المتحدث باسم جناح حماس العسكري.
وبحسب "يديعوت أحرونوت"، تدعي حماس أن ترويج "مثل هذه الشائعات" يخدم إسرائيل، ويهدف إلى دفع كبار مسؤوليها إلى سلوكيات معينة، لجمع معلومات عنهم والتحضير لإيذائهم. كما وصف بيان أجهزة أمن حماس أن "الشائعات من هذا النوع تعد بمثابة حربًا نفسية، تهدف إلى تقويض الجبهة الداخلية".
وفي آخر بيان له – إذا صح خبر الوفاة – ادعى "أبو عبيدة" أن "خطط الجيش الإسرائيلي لاحتلال مدينة غزة سوف تعرض حياة الرهائن للخطر". وقال إن "مسؤولية مصير الرهائن تقع على عاتق الحكومة الإسرائيلية وجيشها، "وسيتم إعلان اسم وصورة كل رهينة يتعرض للقتل".