تتجه الأنظار في بغداد وواشنطن إلى نتائج الانتخابات العراقية المقرر إجراؤها غدًا الثلاثاء، وسط ترقب داخلي وخارجي واسع لما ستسفر عنه صناديق الاقتراع، في ظل أجواء سياسية مشحونة وتحديات متزايدة تواجه العملية الديمقراطية في البلاد.
وفي الوقت نفسه، تلوّح الإدارة الأمريكية بعدم الاعتراف بأي حكومة قد تشكلها قوى مقربة من الميليشيات المسلحة؛ ما يثير مخاوف من دخول العراق مرحلة سياسية جديدة قد تتّسم بـ"عزلة دولية" إذا تمخضت الانتخابات عن سلطة توصف بأنها "حكومة ميليشيات".
ومع احتدام المنافسة الانتخابية وتصاعد التحذيرات الدولية، جاء تصريح المبعوث الأمريكي الخاص إلى العراق، مارك سافايا، بأن "لا مكان للميليشيات في إدارة الدولة العراقية"، ليعكس بوضوح موقف واشنطن من المرحلة المقبلة. ويبدو أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى رسم حدود العلاقة المستقبلية مع بغداد على قاعدة "الحكومة المتوازنة أو القطيعة السياسية".
وأعاد ذلك إلى الواجهة الجدل حول مدى قدرة العراق على صياغة معادلة داخلية تحفظ سيادته وتجنّبه مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة.
ويرى مراقبون أن التصريحات الأمريكية الأخيرة لا تنفصل عن المشهد الإقليمي، بل تمثل امتدادًا لسياسة إدارة ترمب الرامية إلى تقليص النفوذ الإيراني في العراق وإعادة رسم قواعد الاشتباك السياسي.
وتُشير التقديرات إلى أن واشنطن تسعى من خلال مواقفها الأخيرة إلى تحديد القوى التي يمكن التعامل معها وتلك التي ستُدرج ضمن خانة "الخصوم السياسيين"؛ ما يجعل الانتخابات المقبلة اختبارًا حاسمًا للداخل العراقي ولعلاقاته الخارجية في الوقت نفسه.
وفي هذا السياق، أوضح الباحث والأكاديمي خالد العرداوي أن "الولايات المتحدة دولة ديمقراطية ولا يمكنها تجاوز نتائج العملية الانتخابية إذا جرت في ظروف شفافة ونزيهة"، مشيرًا إلى أن "ما يهم واشنطن فعلاً هو مصالحها في العراق ورؤيتها لاستراتيجيتها الشرق أوسطية للحفاظ على هذه المصالح".
وأضاف العرداوي لـ"إرم نيوز" أن "أي حكومة تتناغم مع تلك المصالح ستجد قبولًا أمريكيًا واستقرارًا في العلاقة، لكن في حال التباين أو التصادم، ستلجأ واشنطن إلى أدوات الضغط السياسي والاقتصادي، وهو ما قد ينعكس سلبًا على أمن العراق واستقراره ومسار التنمية فيه".
وفيما تتحدث مصادر دبلوماسية عن إمكانية فرض قيود سياسية على الحكومة المقبلة إذا شاركت فيها قوى مصنفة أمريكيًا بأنها "مدعومة من الخارج"، تتزايد التقديرات بأن واشنطن قد تربط تعاونها الاقتصادي والعسكري مع بغداد بمدى التزام الأخيرة بخطوات ملموسة في ملف حصر السلاح وضبط نفوذ الميليشيات المسلحة، خاصة بعد تعثر قانون الحشد الشعبي وتأجيل التصويت عليه.
وبحسب مراقبين، فإن واشنطن تمتلك أوراق ضغط واسعة، منها التحكم بالتحويلات المالية والقيود المصرفية والعقوبات الفردية، إضافة إلى النفوذ الدبلوماسي في المؤسسات الدولية؛ ما يمنحها القدرة على فرض واقع سياسي دون الدخول في مواجهة مباشرة، وهو ما يُقرأ على أنه "تصعيد محسوب" هدفه التأثير على شكل الحكومة المقبلة وليس إسقاطها.
من جانبه، رأى الباحث السياسي عبدالله الركابي أن "الولايات المتحدة تعمل ضمن خطة متكاملة لإعادة تموضعها في العراق بعد سنوات من الانكفاء النسبي، وتراهن على نتائج الانتخابات لتحديد مسار علاقتها بالحكومة الجديدة"، مبينًا أن "التصريحات الأخيرة هي بمثابة رسائل مبكرة لمنع تشكل حكومة تخضع بالكامل للنفوذ الإيراني".
وأضاف الركابي لـ"إرم نيوز" أن "التهديد بعدم الاعتراف بأي حكومة تهيمن عليها الميليشيات يؤشر قلقًا أمريكيًا من عودة العراق إلى مربع العزلة الدولية، خصوصًا في ظل التوترات الإقليمية الحالية"، لافتًا إلى أن "البيت الأبيض يسعى لترسيم حدود جديدة للتأثير الإيراني عبر صناديق الاقتراع وليس عبر الميدان العسكري".
ويشير مراقبون إلى أن الموقف الأمريكي لا يهدف بالضرورة إلى إقصاء قوى محددة بقدر ما يسعى لتغيير قواعد اللعبة السياسية عبر الضغط لتشكيل حكومة "متوازنة"، تضمن استمرار الشراكة مع واشنطن من جهة، وتمنع انهيار العلاقة مع طهران من جهة أخرى، وهو توازن دقيق لطالما حاولت الحكومات العراقية السابقة الحفاظ عليه دون نجاح كامل.
وتثير هذه التطورات مخاوف من أن تجد بغداد نفسها أمام مشهد معقد بعد الانتخابات، إذا ما قررت واشنطن فعلاً التعامل بشروط صارمة أو فرض مقاطعة دبلوماسية جزئية؛ الأمر الذي قد ينعكس على الاقتصاد العراقي الذي يعتمد بصورة شبه كاملة على العوائد النفطية المحوّلة عبر النظام المالي الأمريكي.
وبحسب ما رشح من نتائج التصويت الخاص الذي جرى الأحد، فإن القوى المقربة من الميليشيات المسلحة لم تحظَ بنتائج كبيرة؛ ما يجعلها أمام اختبار صعب في الاقتراع العام المقرر الثلاثاء.
ويرى مختصون أن ضعف حضور تلك القوى في التصويت الخاص قد يؤشر تراجعًا في شعبيتها داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية، التي كانت تُعد سابقًا أحد أهم مصادر التأييد الانتخابي غير المباشر لها؛ الأمر الذي قد يُترجم لاحقًا في صناديق الاقتراع العامة بتراجع تمثيلها السياسي داخل البرلمان الجديد.