logo
العالم العربي
خاص

أمريكا ترسم غزة بالألوان.. كيف تعيد خطة ترامب تنظيم القطاع بعد الحرب؟

علامات الخط الأصفر في غزةالمصدر: (أ ف ب)

تتجه الأنظار من جديد إلى قطاع غزة، ولكن هذه المرة من بوابة ترتيبات ميدانية جديدة بدأت الولايات المتحدة وإسرائيل في وضعها على الأرض، وتتمثل في مشروع "المنطقة الخضراء" وما يرتبط به من تحديدات إضافية مثل "الخط الأصفر" و"المنطقة الحمراء".

ويأتي هذا الحراك بالتزامن مع تحضيرات دولية وإقليمية لمؤتمر إعادة الإعمار في العاصمة المصرية القاهرة، ما يجعل السؤال عن "كيفية تنظيم غزة قبل الإعمار" في صدارة النقاشات الدبلوماسية.

ووفق مصادر دبلوماسية أمريكية تحدّثت لـ"إرم نيوز"، فإن الهدف من إنشاء تجمعات سكنية مؤقتة داخل "المنطقة الخضراء" لا يقتصر على توفير المأوى والخدمات الأساسية للنازحين، بل يشكّل "مرحلة انتقالية ضرورية" لضمان إدارة آمنة للقطاع في الشهور الأولى بعد الحرب، ريثما تصبح ترتيبات الإعمار الدائم قابلة للتنفيذ.

وتشير المصادر إلى أن العمل الهندسي الأمريكي الجاري حالياً في أطراف رفح يهدف بالدرجة الأولى إلى "تهيئة أرض نظيفة ومأمونة" لاستقبال التجمعات السكانية، مع الحدّ من احتمالات الاحتكاك العسكري أو الفوضى الأمنية.

المنطقة الخضراء

وبحسب المعطيات المتداولة بين دوائر الوساطة، فإن المنطقة الخضراء تُحدَّد كمجال يخضع لمزيج من الإشراف الدولي والوجود العسكري الإسرائيلي، وهو ما يسمح بتنظيم الخدمات، وضبط الحركة، وإطلاق مشاريع إعمار جزئية قابلة للتوسّع لاحقاً.

أخبار ذات علاقة

مشهد جوي لرفح

"المناطق الخضراء" في رفح تزيد ضبابية المرحلة الثانية من اتفاق غزة

وتوضح مصادر غربية متابعة، أن هذه الترتيبات تقوم على فرضية "فصل الإدارة المدنية عن مناطق التوتر"، بما يتيح التقدم في الإعمار حتى في ظل غياب اتفاق سياسي شامل حول مستقبل القطاع.

الخط الأصفر

أما الخط الأصفر، فهو خط فاصل يجري اعتماده كأساس لتقسيم نطاقات العمل الميداني، حيث تُضبط عبره حركة الدخول والخروج، وترتّب عليه مهام الإشراف الدولي، وتوزيع المسؤوليات الأمنية والإدارية بين الأطراف المنخرطة في الاتفاق.

وتقول مصادر دبلوماسية أوروبية إن هذا الخط هو "إجراء مؤقت" يهدف إلى تقليل الاحتكاك، وضمان وصول الإغاثة، وتسهيل انتقال المدنيين إلى مناطق أكثر استقراراً، مع إبقاء المجال مفتوحاً أمام تعديله أو إلغائه خلال الأسابيع المقبلة تبعاً لمستوى الالتزام بالاتفاق.

المنطقة الحمراء

وبخصوص المنطقة الحمراء، فهي المنطقة التي ستبقى خارج نطاق الإشراف الدولي المباشر، وهي الأكثر تضرراً بالحرب والأقل جهوزية لبدء عمليات إعادة الإعمار.

ووفق دبلوماسيين أمريكيين، لا يجري التعامل مع هذه المنطقة بوصفها "كياناً معزولاً"، إنما بوصفها "المرحلة اللاحقة" التي سيُصار إلى تأهيلها تدريجياً فور توافر الظروف الميدانية المناسبة، سواء لجهة الأمن أو لجهة القدرة على دخول الفرق الدولية.

وترافق هذه الترتيبات مجموعة من المخاوف العربية، من بينها الموقف المصري الذي ينظر إلى مشاريع الإسكان المؤقت في رفح بوصفها خطوة تحتاج إلى ضمانات واضحة حتى لا تتحول إلى بنى دائمة أو إلى توسّع في الوجود الأمني الإسرائيلي قرب الحدود.

وتؤكّد مصادر عربية حول ذلك على ضرورة أن تبقى وحدة غزة الجغرافية والإدارية ركناً أساسياً، وأن أي تقسيمات مرحلية يجب ألا تتحول إلى واقع سياسي تعجز الأطراف عن تغييره لاحقاً.

ترتيبات دولية جديدة

في الوقت نفسه، تنقل لـ"إرم نيوز" مصادر دبلوماسية أمريكية رسائل مفادها بأن واشنطن ترى في هذا النموذج "أداة لتسريع إعادة الإعمار" وليس صيغة دائمة لإدارة القطاع.

وتشدّد المصادر على أن الهدف هو معالجة "الفجوة بين وقف النار والإعمار"، عبر خلق بيئة مدنية محمية تسمح للمنظمات الدولية بالعمل، وتقلّل من احتمالات العودة إلى حالة الانهيار الإنساني.

فيما تعتبر المصادر الأوروبية أن المشروع ليس خطة سياسية بقدر ما هو إجراء تنظيمي يسمح بتجميع السكان في مناطق جاهزة للخدمات، ما يسهل التخطيط لمرحلة إعادة الإعمار، ويقلّل من التداخل بين المهام المدنية والاعتبارات العسكرية التي ما زالت حاضرة على الأرض.

إشراف دولي موسّع

بدوره قال مسؤول دبلوماسي أمريكي يعمل ضمن مكتب شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية، إن الهدف الأساسي من مشروع المنطقة الخضراء هو منع انهيار الخدمات المدنية في غزة خلال الأشهر الأولى بعد وقف إطلاق النار.

وأكد لـ"إرم نيوز" أن الولايات المتحدة لا تتعامل مع هذه الترتيبات كخريطة سياسية بديلة، وإنما كإجراء مؤقت يضمن عدم عودة القطاع إلى مستوى الانهيار الكامل الذي شهده خلال الحرب.

وأضاف الدبلوماسي الأمريكي أن العمل الجاري في رفح هو إعادة تنظيم مدني–خدمي تستهدف تجهيز بنية تحتية أولية يمكن أن تعتمد عليها منظمات الإغاثة الدولية، وتجعل عمليات توزيع المساعدات أكثر انتظاماً.

أخبار ذات علاقة

خلال أعمال تجريف وتوسعة إسرائيلية للخط الأصفر

بإزاحة "الخط الأصفر".. إسرائيل توسع سيطرتها خارج خرائط اتفاق ترامب

ولفت إلى أن فرقاً متخصصة في إدارة الكوارث ستعمل خلال الأيام المقبلة على تقييم مساحات واسعة في جنوب القطاع لتحديد المناطق التي يمكن أن تحتضن التجمعات السكانية المؤقتة بأقل قدر من المخاطر الأمنية.

وتابع دبلوماسي أمريكي قائلاً إن الخط الأصفر يمثل منطقة ضبط ميداني هدفها تقليل الاحتكاك وتسهيل الحركة الإنسانية، ريثما تكتمل ترتيبات المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأوضح أن واشنطن تضغط "باتجاه ضمان ألا تتحول أي مناطق مؤقتة إلى بنى دائمة"، مشدداً على أن "أي إجراءات انتقالية يجب أن تبقى خاضعة للمراجعة المستمرة، وتعديلها وارد تبعاً للتطورات على الأرض".

وأكد المصدر أن واشنطن تدرس حالياً آليات إشراف أكثر وضوحاً لمجلس السلام الدولي، مبيناً أن المرحلة المقبلة ستشهد انتقالاً تدريجياً إلى إدارة دولية مشتركة، مع زيادة دور الوكالات الأممية في تأمين الخدمات الأساسية.

وقال: "نحن نعمل على تجنب أي فراغ أمني أو إداري، وفي الوقت نفسه نرفض أي سيناريو يُبقي غزة معلّقة بين إدارة عسكرية وإعمار غير مكتمل"، مشيرًا إلى أن القلق المصري من الوضع في رفح مفهوم ومشروع.

ونوه بأن واشنطن تتعامل بجدية مع الهواجس الحالية، ولا توجد نية لخلق واقع يوسّع الوجود الإسرائيلي قرب الحدود. "أي ترتيبات في الجنوب يجب أن تراعي الحساسية الأمنية المصرية بالكامل".

كما أكد المصدر الأمريكي أن "الاختبار الحقيقي للخطة سيكون في مدى قدرتها على تحسين الحياة اليومية للسكان، وفتح الطريق أمام إعمار شامل لا يرتبط بالمسارات الأمنية وحدها".

مقاربة أمنية مدنية

من جهته رأى الباحث السياسي سامر العلي، الخبير في السياسات الأمنية والتحولات ما بعد النزاعات، أن مشروع "المنطقة الخضراء" يعكس "تحوّلاً عملياً في إدارة المرحلة الانتقالية في غزة، وليس هندسة سياسية مكتملة".

ويشير في حديثه لـ"إرم نيوز" إلى أنّ الترتيبات الحالية تُقرأ كاستجابة مباشرة لغياب بيئة آمنة للإعمار الشامل، وليس باعتبارها كصيغة تقسيم أو إعادة رسم دائم للقطاع.

ويُضيف العلي: "المهم في هذه المرحلة هو ألّا تتحول المناطق المؤقتة إلى بنى دائمة، وهذا يتطلب التزاماً واضحاً من الأطراف الدولية باستمرار مراجعة الإجراءات، والقدرة على تعديلها مع تحسن الوضع الميداني".

ولفت إلى أن المشروع "يمكن أن يساهم في منع الانهيار المدني، شرط أن يبقى مرتبطاً بإطار زمني واضح وخطة إعمار شاملة لا تقتصر على مواقع محدّدة".

إطار دولي مؤقت

من جانبها، اعتبرت إليزابيث كروغر، المحللة المتخصصة في شؤون إعادة الإعمار وإدارة الأزمات، أن النموذج الجاري العمل عليه في غزة يعكس مقاربة تعتمد إدارة المخاطر قبل الانطلاق نحو الإعمار.

وأوضحت خلال حديثها لــ"إرم نيوز" أنّ إنشاء تجمعات سكانية في المنطقة الخضراء يأتي كمحاولة لتقليل هشاشة السكان وتوفير بيئة يمكن فيها للفرق الدولية العمل دون تعطّل.

أخبار ذات علاقة

حركة حماس

وفد من حماس يصل القاهرة لبحث وقف إطلاق النار في غزة

وأشارت كروغر إلى أن "الخط الأصفر هو عنصر تقني يتيح الفصل المؤقت بين المجالات المدنية والمناطق التي تحتاج إلى معالجة أمنية وإزالة واسعة لمخلفات الحرب".

وأضافت أن أهم عنصر في هذه المرحلة هو "ضمان ألا تتوسع الصيغة المؤقتة إلى هيكل دائم، وأن تبقى القرارات المتعلقة بالإعمار شاملة ولا تُختزل في المساحات الخاضعة لتنظيم أكبر".

ورأت أن التحدي الأكبر أمام الخطة هو قدرة الأطراف على الانتقال من إدارة مؤقتة إلى بنية مدنية مستقرة دون ترك فراغات إدارية، مؤكدة أن "أي نجاح في غزة يتطلب إطاراً دولياً مرناً، ومشاركة عربية فعّالة، وضمانات واضحة للسكان حول مستقبل مناطقهم".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC