حذّرت مصادر سياسية مختصة بالشأن الفلسطيني من خطورة ومآلات الخطوة الأخيرة التي أعلن فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيطرة الجيش الإسرائيلي على محور "موراج"، الذي يصل مدينة رفح جنوب قطاع غزة بمدينة خان يونس.
ووصفت هذه المصادر في حديثها لـ"إرم نيوز" عملية تقطيع أوصال القطاع بهذا التوجّه بأنها "مباشرة إجرائية لتهجير مليون فلسطيني من القطاع تحت ضغط الأوضاع المعيشية، بما يتجاوز حدود الاحتمال الإنساني".
وأشارت إلى أن عزل رفح بالكامل عن خان يونس، كما جرى تنفيذه يوم الأربعاء الماضي، أعقبه قطع لمياه الشرب عن 70% من القطاع، ما يعني أن التهجير الذي يُقال إنه طوعي، هو في حقيقته قسري، بقوة التجويع والتيئيس وتقطيع الأوصال.
ووصفت المصادر الخطوة الإسرائيلية بالسيطرة على محور "موراج" بأنها "الهدية" التي يحملها نتنياهو معه إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفيها يقول إن مشروع تهجير مليون مواطن غزي هو الآن قيد التنفيذ.
وأكدت المصادر أن نتنياهو حمل معه للرئيس الأمريكي نتائج استطلاع للرأي، قيل إن المخابرات العسكرية الإسرائيلية أعدته، متضمنًا مزاعم بأن حوالي 40% من سكان قطاع غزة أبدوا رغبتهم في الهجرة إلى دول أخرى.
وبغض النظر عن الشكوك المبررة في دقة مثل هذه البيانات، إلا أن موضوع التهجير، طوعًا أو قسرًا، هو الآن قيد التنفيذ المبرمج، حسب ما تقرأ المصادر السياسية، وهي تحذر مما سيعقب ويترتب على الخطوة العسكرية الأخيرة بالسيطرة على محور موراج وعزل مدينة رفح عن بقية غزة.
المحلل السياسي لطفي الزغيّر، يقرأ في سياقات سيطرة الجيش الإسرائيلي على محور "موراج" تغييرًا استراتيجيًا في الحرب الإسرائيلية المتجددة على غزة. فالسيطرة على هذا المحور، الذي يربط رفح بخان يونس، تعني إعادة تقسيم القطاع والسيطرة على أجزاء جديدة منه، كما تعني أن محافظة رفح بأكملها أصبحت في أيدي الجيش الإسرائيلي كمنطقة عازلة.
وأضاف الزغير لـ"إرم نيوز"، أن التمركز الإسرائيلي على طول هذا الخط، ونشر قوات أو إقامة نقاط تفتيش أو حواجز عسكرية، سيعطّل حركة السكان والبضائع بين رفح وخان يونس، مما يفاقم الأوضاع الإنسانية في المنطقة. فمدينة رفح، كما يقول، تستضيف أكثر من مليون نازح منذ بدء الحرب الأخيرة، والسيطرة على المحور وتحويل المنطقة إلى منطقة عازلة يعني تهجيرًا قسريًا جديدًا أو حصارًا أشد.
ويُدرج المحلل الزغيّر هذا التوجه العسكري ضمن ما يسميه "إعادة تشكيل معالم القطاع"، فسيطرة إسرائيل على مناطق عازلة حول أطراف غزة بمساحة 62 كيلومترًا مربعًا تعني 17% من مساحة القطاع، كما تعني نزوح نحو 140 ألف شخص منذ انتهاء وقف إطلاق النار، وإجبار أكثر من 90% من سكان القطاع على ترك منازلهم.
وأضاف أن عزل رفح بالكامل عن خان يونس يمنع حركة الفلسطينيين بين المحافظتين ويعقّد أوضاع النازحين جنوب القطاع، كما يعطّل وصول المساعدات الإنسانية إلى الجنوب جراء فرض قيود على المرور، هذا فضلًا عن إحكام السيطرة على الموارد الزراعية والمائية، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الغذائية في القطاع.
آلية استخبارية متكاملة للتهجير الطوعي
ورأى المحلل السياسي رهيف الحوراني في الإجراء العسكري الإسرائيلي الأخير بفصل خان يونس خطة عسكرية تهدف إلى تنفيذ مقترح ترامب بشأن "التهجير".
ولفت الحوراني إلى أن "موراج" هو ثالث منطقة عازلة إسرائيلية في غزة، مضافة إلى فيلادلفيا وممر نتساريم. وفي الترتيبات العسكرية لهذه المناطق العازلة تعقيد خرافي لمعيش الغزيين، ما يعني أنهم ينفذون الآن مرحلة جديدة مما يُوصف بـ"العيش المستحيل".
واستذكر في حديثه لـ"إرم نيوز" أنه بعد أن طرح ترامب مشروعه لتهجير الغزيين، ولقي وجهات نظر تعترض بصوت مرتفع، قرر نتنياهو أن يوكل موضوع التهجير الطوعي لدائرة عسكرية استخبارية تتولى التنفيذ بحِرفة مضاعفة وبتوظيف ما يلزم من المحفزات العلنية والسرية.
وأشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية أنشأت دائرة للتهجير الطوعي من غزة، وعيّنت لرئاستها عقيدًا عسكريًا هو يعقوب بليتشتاين، نائب المدير العام لوزارة الدفاع.
وبحسب المعلومات المتداولة، فإن دور هذه الدائرة يتضمن تنسيق عملية تهجير آمنة ومنضبطة لسكان غزة الراغبين في الهجرة إلى دول ثالثة، بما في ذلك تأمين تنقلاتهم، وإنشاء المعابر والبنية التحتية اللازمة للسفر برًا وبحرًا وجوًا.
واعتبر الحوراني أن ورقة التهجير الطوعي للغزيين تستثمرها حكومة نتنياهو في أكثر من هدف استراتيجي وتعبوي، بينها إرضاء الرئيس الأمريكي، وإبلاغه أن مشروعه لم يمت، وأنه قيد التنفيذ.
