logo
العالم العربي
خاص

ارتباك وتصدعات.. اغتيال الطبطبائي يكشف أسرار "حزب الله" الداخلية

لبنانيون في موقع الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية ...المصدر: (أ ف ب)

أعادت الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، مساء الأحد، والتي أسفرت عن مقتل هيثم الطبطبائي، أحد أبرز الأسماء العسكرية المتقدمة داخل حزب الله، فتح ملف داخلي حاولت الميليشيا طوال العام الأخير إبقاءه بعيداً عن النقاش العام.

ويتمثل هذا الملف في وضع حزب الله الأمني، بعد سلسلة الاغتيالات التي تعرضت لها الميليشيا منذ نهاية العام الماضي، وقدرته على حماية عمقه  التنظيمي داخل الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.

أخبار ذات علاقة

أبرز الهجمات الإسرائيلية على حزب الله بعد هدنة 2024

قائد ما بعد الحرب.. كيف يغير مقتل الطبطبائي قواعد اللعبة بين تل أبيب وحزب الله؟

ثغرات متراكمة

على مدى الساعات التي تلت الضربة، ركزت مصادر لبنانية، تمتلك اطلاعاً على بنية الأمن الحزبي، على الظروف التي سمحت لإسرائيل بتنفيذ غارة دقيقة في منطقة لا يعلن الحزب عادةً عن حركة قادته فيها، وعلى مؤشرات تُظهر أن الضاحية لم تعد تمثل المساحة المحصنة التي اعتاد الحزب إدارتها منذ سنوات.

تشير المعلومات التي توافرت لجهات سياسية وأمنية لبنانية، تحدثت لـ"إرم نيوز"، إلى وجود تقلبات داخل الهيكل الأمني للحزب، بدأت منذ اغتيال فؤاد شكر ثم إبراهيم عقيل، وترافقت مع تبديلات داخل دوائر الحماية والمراقبة.

كما أوضحت المصادر أن الحزب لم ينجز بعد إعادة ترتيب شبكات أمنه الداخلي، وأن جزءاً من الإجراءات التي كان يعتمدها قبل عام 2024 جرى تخفيفها في بعض النقاط داخل الضاحية، إما بسبب ضغط ميداني واسع، أو بسبب إعادة توزيع المسؤوليات داخل الجهاز الأمني.

هذا الوضع المؤقت، الذي يدركه حزب الله قبل خصومه، خلق مساحة أوسع للمراقبة والاستهداف، وهو ما استثمرته إسرائيل عبر غارة تعتمد على تتبع دقيق لشخصية لا تتحرك عادة في ظروف مكشوفة.

وبحسب مصادر سياسية لبنانية، فإن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تراقب التحولات داخل حزب الله منذ اغتيال أمينه العام السابق حسن نصر الله، وتُقيّم تقديرات دورية حول قدرة القيادة الحالية على تنظيم الحركة وحماية الكوادر.

اختلال في دوائر القرار

التقدير الإسرائيلي الأخير، وفق هذه المصادر، يرتكز على نقطتين، أولهما وجود تعدد في دوائر القرار بعد خسارة قيادات أساسية أدت أدواراً مركزية داخل المجلس القيادي السابق، وكذلك تراجع قدرة حزب الله على ضمان إجراءات الحماية في المناطق المدنية المكتظة التي تحتوي على مسارات قادة من الخط الثاني والثالث.

وبناءً على هذه القراءة، يبدو أن تل أبيب رأت أن اللحظة مناسبة لاستهداف شخصية بحجم الطبطبائي داخل الضاحية، وفق ما يقول مسؤول لبناني مطّلع.

ولا يشير هذا التقدير إلى اختراق دراماتيكي، بل إلى فهم دقيق لطبيعة الاضطراب داخل حزب الله.

المصادر أكدت أيضاً أن الضاحية الجنوبية تغيّرت خلال العام الماضي، حيث ارتبط ذلك التغيّر بطبيعة الانتشار الداخلي لحزب الله، واستخدامه المكثّف لمواقع بديلة ومقار جانبية، بعد فقدانه عدداً من الشخصيات التي كانت تشرف على أمن المنطقة بشكل مباشر.

ويقول مصدر من فريق سياسي لبناني معارض لحزب الله إن الضاحية لم تعد منطقة مغلقة فعلياً، ويضيف أن "ما حدث مساء الأحد هو نتيجة مسار، وليس نتيجة غفلة".

المؤشرات التي يذكرها هذا المصدر تشمل ثلاث نقاط جرى تداولها داخل بيروت خلال الأسابيع الماضية، تمثلت في تراجع الوجود الظاهر لعناصر حزب الله في بعض النقاط التي كانت تشهد حضوراً دائماً، وتبدّل في آليات الحركة الخاصة بالقيادات الميدانية، مع انتقال بعض المسارات إلى أماكن أقل ازدحاماً، وكذلك ضعف قدرة الجهاز الأمني على استعادة انضباطه السابق بعد خسارة كوادر مركزية.

هذه النقاط، وإن كانت لا تشكّل انهياراً، إلا أنها تُظهر انتقالاً واضحاً نحو مرحلة جديدة داخل حزب الله، أقل تماسكاً، وأكثر عرضة للاختراق.

مسرح مفتوح للاستهداف

منذ سنوات، بنى حزب الله جزءاً كبيراً من صورته على فكرة القدرة على حماية عمقه الداخلي، وعلى أن أي استهداف داخل الضاحية هو خط أحمر يفرض الردّ الفوري، غير أن الوقائع التي ظهرت منذ عام 2024 حتى اليوم تشير إلى أن هذا الخط لم يعد محكماً.

المصادر الأمنية اللبنانية تقول لـ"إرم نيوز" إن "الضاحية اليوم جزء من مسرح العمليات"، وإن قدرة حزب الله على منع الاستهداف لم تعد قائمة بالشكل الذي اعتاده اللبنانيون.

هذا التحوّل بنيوي لا يرتبط بالقدرة العسكرية لحزب الله، وإنما بقدرته على إدارة التفاصيل الأمنية في منطقة مكتظة، وفي مرحلة فقد فيها عدداً من صانعي القرار الأمني.

وحمل الاستهداف الأخير رسالة واضحة للداخل اللبناني، وفق المصادر، بأن  حزب الله يمرّ بمرحلة اضطراب حقيقية، وهذا الاضطراب بدأ يظهر في عمقه الداخلي قبل أن يظهر على الخطوط الحدودية.

في حين قال مصدر سياسي لبناني بارز، لـ"إرم نيوز"، إن اغتيال هيثم الطبطبائي وضع حزب الله أمام اختبار دقيق يتعلق بمدى قدرته على التعامل مع تبعات الاستهداف داخل بيئته، خصوصاً أنّ الضربة جاءت في منطقة يعتبرها الحزب خطاً خلفياً محمياً بشكل دائم.

وأوضح المصدر أن "الحديث عن ردّ سريع قد لا يكون مطروحاً، لأن الحزب يدرك أن أي خطوة واسعة ستفتح الباب أمام دورة استهداف جديدة داخل لبنان، وهو وضع لا يبدو جاهزاً له حالياً على المستوى الداخلي".

تحوّل مفصلي

وأضاف المصدر أن "العملية زادت مستوى الاهتمام بملف التخلص من سلاح حزب الله، فاستهداف شخصية بهذا المستوى داخل الضاحية يؤكد أن وجود سلاح خارج سلطة الدولة يضع لبنان في دائرة الاشتباك المستمر، وهذا ما كان يُناقش منذ أسابيع في الأوساط السياسية والدبلوماسية".

وأشار إلى أن "المسألة لم تعد مرتبطة بقرار الحزب فقط، فهناك نقاش لبناني يتقدم بشكل هادئ حول ضرورة إعادة النظر في دور السلاح في الداخل، لأن قدرة الحزب على توفير حماية مطلقة لمناطقه لم تعد ثابتة كما كانت، وهذا الواقع يفتح الباب أمام مقاربة جديدة لمسألة السيادة".

وقال المصدر إن الدولة اللبنانية تواجه اليوم مسؤولية واضحة في إعادة تنظيم علاقتها بملفات الأمن والدفاع، خصوصاً أن العمليات الأخيرة أظهرت أن ترك إدارة الشأن الأمني في بعض المناطق بيد طرف سياسي أو عسكري خارج المؤسسات الرسمية بات يحمل كلفة كبيرة على الاستقرار الداخلي.

وتابع: "الاغتيال داخل منطقة تخضع لنفوذ الحزب أظهر أنه ليس هناك طرف محلي قادر على فرض معادلة الحماية الكاملة. وهذا يُعيد التأكيد على أن المرجعية الوحيدة القادرة على إدارة الأمن في لبنان يجب أن تكون المؤسسات الرسمية".

ورأى المصدر أن حزب الله سيتجه على الأرجح إلى ردّ محسوب، لكن معطيات الساعات الماضية تشير إلى أن سقف الردّ لا يزال قيد الدراسة، لأن أي خطوة غير محسوبة قد تضع الميليشيا في مواجهة مفتوحة على أكثر من جبهة، وهذا ليس خياراً سهلاً بالنسبة لها.

وختم المصدر بالقول: "الاستهداف الأخير يعيد النقاش إلى نقطة جوهرية، إذ لا يمكن لأي جهة أن تدير الأمن وحدها أو تفرض معادلات عسكرية داخل الحدود. ما حصل يُظهر أن مركز القرار الأمني يجب أن يعود كاملاً إلى الدولة، وإلى المؤسسات التي تمتلك شرعية إدارة السلاح وليس الجهات التي تحتفظ به".

ضغط متزايد

يقول الباحث السياسي اللبناني، كريم الأسعد، في حديث لـ"إرم نيوز"، إن اغتيال هيثم الطبطبائي يأتي ضمن نمط من العمليات التي شهدتها الضاحية خلال العامين الماضيين، لكنه يختلف عنها في مستوى الهدف وفي التوقيت، إذ جاء في لحظة يظهر فيها أن البنية الأمنية لحزب الله تمرّ بمرحلة إعادة ترتيب لم تُنجز بالكامل.

وأوضح الأسعد أن اللافت في العملية أنها طالت شخصية تتعامل عادة بحذر شديد في تحركاتها، وبأن العملية أصابت نقطة يعتبرها الحزب جزءاً من مسارات حمايته الخلفية.

وأضاف أن الضربة أظهرت بوضوح أن الإجراءات الأمنية داخل الضاحية لم تعد قادرة على استيعاب الضغط المتراكم منذ سلسلة الاغتيالات السابقة، وأن الحزب يتحرك اليوم بهوامش أضيق مما كان عليه قبل عام.

وختم الأسعد بالقول إن العملية تبيّن أن حزب الله يواجه مساراً داخلياً صعباً، وأن التعامل مع ملف السلاح لا يمكن أن يبقى خارج مؤسسات الدولة، لأن إدارة الأمن في أي منطقة، بما فيها الضاحية، باتت مرتبطة بقدرة الدولة على فرض إطار واضح للسيادة.

أخبار ذات علاقة

الجيش اللبناني في موقع ضربة إسرائيلية استهدفت "أبو علي طبطبائي"

هل يتحرك حزب الله رداً على اغتيال هيثم الطبطبائي؟

اضطراب داخل حزب الله

من جانبه، قال الخبير في شؤون الشرق الأوسط والأمن الدولي، جوناثان ميرفي، خلال حديث لـ"إرم نيوز"، إن الضاحية الجنوبية لم تكن في أي مرحلة منطقة عصية بالكامل على الاستهداف، لكن حزب الله كان ينجح في فرض نمط من الصعوبة العملياتية داخلها.

وتابع: "ما بدا واضحاً في عملية يوم أمس هو أن هذا النمط تغيّر، وأن إسرائيل رصدت ثغرة تتعلق بالتحرك الداخلي للقيادي المستهدف وبإعادة توزيع دوائر الحماية داخل الحزب".

وأضاف أن "العملية لا تُقرأ بمعزل عن الاضطراب الذي يمر به حزب الله منذ سلسلة الاغتيالات التي طالت شخصيات من الصفين الأول والثاني. وهذا الاضطراب لا يعني انهياراً، لكنه يخلق بيئة عملياتية تتيح لإسرائيل هامش تحرك أكبر داخل مناطق كان الحزب يديرها سابقاً بقدر أعلى من الانضباط".

ورأى ميرفي أن "التوقيت تحديداً يعكس قراءة إسرائيلية للظرف الداخلي داخل الحزب، أكثر مما يعكس قراراً بفتح جبهة جديدة؛ فالحزب منشغل بإعادة ترتيب بنيته الأمنية، وهذا يمنحه قدرة أقل على ضبط الحركة داخل مناطقه".

وختم بالقول إن "رد حزب الله سيكون محدوداً على الأرجح، لأن أي خطوة واسعة ستعيد إسرائيل إلى عمليات أعمق داخل لبنان. والمعادلة الجديدة التي تكشفها هذه الضربة هي أن قدرة الحزب على التحكم ببيئته الداخلية أصبحت أقل مما كانت عليه".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC