على الرغم من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار وخطة إدارة قطاع غزة المقترحة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يقول دبلوماسيون ومسؤولون أوروبيون، إنه لا ينبغي السماح لإسرائيل الاعتقاد بأن الأوربيين سينسون سقوط عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة بسهولة.
وفي حديثهم مع مجلة "بوليتيكو"، أكد مسؤولون وسياسيون ودبلوماسيون في بروكسل ولندن وأماكن أخرى أنهم يشعرون بأن جهودهم للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار بدأت تؤتي ثمارها، وأنه لا بد من استمرار الضغط.
وقال مسؤول أوروبي طلب عدم الكشف عن هويته: "ضغطنا لا يزال مهمًّا، إذا أردنا رفع كل الضغط، فإن إسرائيل تحتاج إلى تنفيذ ما وعدت به". وأضاف المسؤولون أن تدمير غزة ومقتل أكثر من 60 ألف شخص يتطلب مساءلة، وعدالة، وخطة إعادة إعمار ممولة بشكل كافٍ.
على مدار عامين، أدت الحرب في غزة إلى انقسام المجتمعات الأوروبية وزعزعة الاستقرار السياسي على أعلى المستويات داخل الاتحاد، ومع تفاقم الأزمة الإنسانية، شهدت المدن الأوروبية احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين، بينما سجلت هجمات معادية للسامية على المعابد اليهودية ومواقع يهودية أخرى ارتفاعًا ملحوظًا.
وقاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حملة للاعتراف بدولة فلسطين خلال مؤتمر الأمم المتحدة الشهر الماضي، مما عزز الدعوات الدولية على إسرائيل لإنهاء الهجوم والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
واقترحت المفوضية الأوروبية مجموعة من العقوبات الاقتصادية والتجارية ضد إسرائيل، لكن الدول الأعضاء في الاتحاد لم تتوصل إلى اتفاق حول تطبيقها، مع بقاء المقترحات معلقة، ويبدو أن النقاشات الأوروبية ستستمر قبل اتخاذ أي قرار بشأن رفع تهديد العقوبات.
لكن وقف إطلاق النار واتفاق إطلاق سراح الأسرى بضغط من الرئيس ترامب فتح نافذة لإعادة ضبط العلاقات بين إسرائيل وأوروبا، فهذا الأسبوع، صرح السفير الإسرائيلي الجديد لدى الاتحاد الأوروبي لوسائل الإعلام بأن الاتحاد يجب أن يرفع كل تهديداته بالعقوبات ويستأنف التعاون الثنائي الكامل، مشيرًا إلى أن الهدنة تعني عدم وجود سبب لبقاء القيود قائمة.
لكن المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية قالت إن أي مراجعة للعقوبات ستتم بعد اجتماع وزراء الدول الأعضاء الأسبوع المقبل، مضيفة: "لم نصل إلى تلك المرحلة بعد".
وأكدت مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون المساعدات الإنسانية، حجة لحبيب، على أهمية إيصال المساعدات للفلسطينيين بشكل عاجل في غزة، مشددة على ضرورة تحقيق حلول سياسية دائمة.
وعلى الرغم من تبادل التهاني بين ترامب ونتنياهو، حذر بعض المسؤولين الأوروبيين من تجاهل المسؤولية الإسرائيلية عما وصفه البعض بـ"الإبادة الجماعية" في غزة، وقال أحد المسؤولين الأوروبيين: "من المهم جدًّا في عملية السلام تحقيق العدالة والمساءلة. لا يجب أن ننسى أن 60 ألف شخص بريء قُتلوا، وأن غزة دُمرت".
وفي ذروة الأزمة الإنسانية، حظرت الحكومة الألمانية تصدير أي أسلحة لإسرائيل يمكن استخدامها في غزة، ويستعد الوزراء الآن لمراجعة تلك الإجراءات لمعرفة ما إذا كانت الشروط تسمح برفع القيود.
وفي باريس، حيث يواجه النظام الحكومي الفرنسي فوضى داخلية، هناك رغبة في الحفاظ على بعض النفوذ التفاوضي. وقال مسؤول فرنسي سابق: "نحتاج للحفاظ على تهديد العقوبات وربط رفعها بالنتائج. كل ما حصلنا عليه من نتنياهو تم تحت الضغط، وليس الوقت مناسبًا لتخفيف الضغط بعد".
ويسعى المسؤولون الأوروبيون للحصول على دور مؤثر في العملية المستقبلية، بما في ذلك الحصول على مقعد في "مجلس السلام" المقترح من ترامب لإدارة غزة. ومع ذلك، يظل هناك بعض الشك حول هذا المجلس، إذ يرى بعض الدبلوماسيين أنه قد يكون مجرد فرصة لشركات البناء الغربية لكسب أموال من إعادة إعمار غزة.
وتقدر تكلفة إعادة الإعمار بأكثر من 50 مليار دولار، والاتحاد الأوروبي يعد من أبرز المانحين للفلسطينيين، ومن ثم ستكون مساهماته حاسمة في جهود التعافي، لكن المسؤولين الأوروبيين يرغبون في أن يكون لهم تأثير فعلي وليس مجرد دور مالي.
وأظهرت الهجمات الأخيرة على معابد يهودية في مانشستر كيف مزقت حرب غزة بعض أجزاء المملكة المتحدة، فيما خرج عشرات الآلاف في أوروبا للتظاهر ضد معاناة الفلسطينيين.
وأكد مسؤول أوروبي للمجلة: "سياسة الشرق الأوسط ستؤثر على الانتخابات الوطنية، وإذا لم تلعب أوروبا دورًا إيجابيًّا، فستدفع الثمن".
وأضاف: "جيل الشباب الذي بدأ بالتصويت نشأ على متابعة فظائع الحرب على هواتفهم الذكية. لذلك، إذا لم تتحقق العدالة والمساءلة، لا أحد يعرف ما سيحدث، بما في ذلك في أوروبا. هذا ليس نهايتها، بل بدايتها".