كشف مصدر أمني عراقي عن كواليس واقعة اعتقال رئيس حزب "جبهة الشعب" لاهور شيخ جنكي في محافظة السليمانية بإقليم كردستان، مشيراً إلى أن معلومات خطيرة عن محاولة اغتيال زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني وصلت إليه قبل ساعات من اندلاع الأحداث الدامية في مدينة السليمانية.
وأوضح المصدر الذي طلب حجب اسمه لـ"إرم نيوز"، أن "زعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي اجتمع مع بافل طالباني في العاصمة بغداد، وأبلغه بوجود تقارير أمنية تتحدث عن محاولة انقلاب ستقع في السليمانية، تهدف إلى اغتياله والإطاحة به، بدعم من الولايات المتحدة وبعض الأطراف الداخلية المقربة من لاهور شيخ جنكي".
وأضاف المصدر أن "الخزعلي تلقى هذه التقارير من الحرس الثوري الإيراني، الذي أكد بدوره أن هناك تواصلاً بين لاهور وجهات خارجية وشخصيات كردية معارضة للاتحاد الوطني، من أجل تنفيذ خطة انقلابية، على أن تُنفذ العملية عبر قوة خاصة تتبع لاهور تسمى (العقرب)، وهي ميليشيا سرية تأسست بعد انشقاقه عن الحزب".
ثنائي قيس وبافل
وشهدت العلاقة بين قيس الخزعلي وبافل طالباني خلال الأشهر الماضية تطوراً ملحوظاً، إذ تمكن الطرفان من إبرام تفاهمات في عدة ملفات مشتركة، أبرزها منصب محافظ كركوك الذي ظل يمثل عقدة سياسية بين القوى العربية والكردية هناك.
وشهدت محافظة السليمانية، فجر الجمعة، واحدة من أعنف المواجهات المسلحة منذ سنوات، بعدما اقتحمت قوات خاصة فندق "لالازار" حيث كان لاهور يتحصن مع أشقائه، لتندلع اشتباكات استمرت أكثر من أربع ساعات بين حرسه الخاص وعناصر من مكافحة الإرهاب والكوماندوز والآسايش.
وأسفرت المواجهات عن سقوط ثلاثة قتلى وأكثر من 20 جريحاً، قبل أن تنتهي العملية باعتقال لاهور واثنين من أشقائه، وسط حالة من التوتر الأمني الذي شل حركة المدينة.
أخطر تحد للاتحاد الوطني
بدوره، قال الباحث في الشأن السياسي الكردي، هافال مريوان، إن "المرحلة المقبلة قد تشهد تجريفاً ممنهجاً لكل خصوم بافل طالباني داخل الاتحاد الوطني وخارجه، سواء عبر الأدوات الأمنية أم من خلال استخدام النفوذ السياسي والقضائي".
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن "محاولة الانقلاب (إن صحت الرواية) تمثل أخطر تحدٍّ يواجه الاتحاد الوطني منذ وفاة مؤسسه، إذ إن دخول أطراف إقليمية على خط الأزمة، مثل إيران والولايات المتحدة، سيعني انتقال الصراع من إطار حزبي داخلي إلى صراع جيوسياسي مفتوح في كردستان، وهو ما يهدد استقرار الإقليم بشكل كامل".
وتشير معطيات ميدانية إلى أن قوة "العقرب" التي أسسها لاهور عام 2021 بعد إقصائه من الاتحاد الوطني، لعبت دوراً محورياً في الاشتباكات الأخيرة، إذ تضم مقاتلين سابقين في قوات مكافحة الإرهاب والبيشمركة، وتتمتع بتدريب عالٍ وتسليح متطور.
ويُعتقد أن هذه القوة ظلت على مدار الأعوام الماضية بمثابة ذراع أمنية لحزب "جبهة الشعب"، وساهمت في تعزيز موقع لاهور السياسي.
ويرى مختصون أن ما جرى في السليمانية ربما يمثل جولة أولى من صراع طويل الأمد، قد يتجاوز حدود المدينة، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في كردستان، حيث يسعى كل طرف إلى فرض هيمنته السياسية والأمنية على الأرض.
مأزق جديد أمام بغداد
كما وضعت التطورات الحكومة الاتحادية في بغداد أمام مأزق جديد، وسط دعوات من قادة سياسيين للتدخل واحتواء الأزمة، خشية أن تتحول إلى شرارة انقسام داخلي ينعكس على المشهد العراقي برمته.
وتمثل محافظة السليمانية بشكل عام منطقة نفوذ إيراني بارزة في إقليم كردستان، بحكم قربها الجغرافي من طهران وتشابك مصالحها الأمنية والسياسية معها، إذ ترتبط أحزاب وقيادات بارزة فيها بعلاقات وثيقة مع الحرس الثوري الإيراني، الذي يعد اللاعب الأكثر تأثيراً في رسم التوازنات داخل المحافظة.
ويذهب خبراء إلى أن تداعيات اعتقال لاهور قد لا تقف عند حدود السليمانية، بل ستنعكس على طبيعة التحالفات السياسية المقبلة، إذ كان الأخير يخطط لخوض الانتخابات بكتلة واسعة تنافس الحزبين التقليديين.
ومع اعتقاله، يبدو أن حزب "جبهة الشعب" بات مهدداً بالانقسام أو حتى التلاشي، ما يمنح الحزبين الكبيرين – الديمقراطي والاتحاد الوطني – فرصة أكبر لإعادة إحكام قبضتهما على البرلمان الكردي.