بينما لا تزال الساحة الفلسطينية مشتعلة بالجدل حول مآلات الحرب، والتسويات الإقليمية المحتملة، تبرز مجددًا تساؤلات ومخاوف حول أهداف خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وما إذا كانت ترمي إلى تحويل غزة إلى منطقة خاضعة لرقابة دولية متعددة الجنسيات، بعيدًا عن السيادة الفلسطينية.
ويقول مراقبون إن جوهر هذه الأفكار لا يتعلق بإعادة إعمار غزة بعد عامين من الحرب، بقدر ما يرتبط بإعادة هندسة القطاع سياسيًا وأمنيًا ليكون نموذجًا مختلفًا عن الضفة الغربية، وتحت مراقبة دقيقة من واشنطن وتل أبيب.
ومع اقتراب عرض مشروع الخطة على مجلس الأمن، تبرز تساؤلات حول مستقبل القضية الفلسطينية، ودور واشنطن في إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط وفقًا لمصالحها الإستراتيجية والأمنية، وهل ما يُطرح يمثل مشروعًا لإنهاء معاناة غزة، أم أنه بداية لمرحلة جديدة من إدارة الصراع بدل حله، تقوم أساسًا على فصل غزة عن الجغرافيا والسيادة الفلسطينية.
وتطرح واشنطن سيناريوهات متعددة لما بعد الحرب، تتراوح بين إقامة إدارة مدنية مؤقتة بإشراف دولي، وبين تشكيل مجلس محلي من شخصيات فلسطينية "معتدلة" يشرف على إدارة القطاع، في ظل وجود أمني أمريكي أو دولي.
ويرى المحلل السياسي بلال العضايلة أن الهدف الحقيقي من إعادة طرح سيناريو "غزة شبه المستقلة" هو تكريس واقع الانقسام، وتفريغ المشروع الوطني الفلسطيني من محتواه السياسي، عبر تحويل القضية من صراع تحرري إلى ملف إداري إنساني واقتصادي.
ويضيف العضايلة في حديثه لـ"إرم نيوز" أن واشنطن تحاول تقديم غزة كنموذج لمنطقة لا تمتلك قرارها السياسي، لكنها تخضع لمراقبة دولية يتم تسويقها باعتبارها حماية للفلسطينيين، بينما هي في الواقع آلية للسيطرة الأمنية.
ويؤكد العضايلة أن أخطر ما في هذا التوجه هو أنه يؤسس فعليًا لإنهاء فكرة الدولة الفلسطينية، عبر تحويل غزة إلى كيان مؤقت يُدار من الخارج، ويُستخدم كورقة ضغط على أي مفاوضات قادمة بشأن الضفة أو القدس.
ويختم العضايلة بالقول إن الولايات المتحدة تستخدم فكرة الرقابة الدولية لتبرير تقويض السيادة الفلسطينية، وإعادة تعريف من هو الطرف الشرعي الذي يتحدث باسم الفلسطينيين.
ورأى المحلل السياسي محمد الشياب أن الولايات المتحدة لا تبحث عن حل نهائي، بقدر ما تسعى إلى إدارة الصراع بما يضمن أمن إسرائيل واستمرار نفوذها في المنطقة.
ويقول الشياب لـ"إرم نيوز" إن واشنطن تسعى إلى إقامة منطقة رمادية، بمعنى كيان غير خاضع مباشرة لإسرائيل، لكنه أيضًا لا يمتلك مقومات الدولة، ولا السيادة الكاملة، بحيث يصبح قطاع غزة منطقة نفوذ دولي مفتوحة للاستثمارات والمراقبة الأمنية المشتركة.
وأوضح الشياب أن المخاطر لا تكمن فقط في نزع السيادة عن غزة، بل في خلق نموذج يُسوّق كواقع ناجح يتم، لاحقًا، تعميمه على الضفة الغربية، بحيث يتحول الحلم الفلسطيني من دولة مستقلة إلى مناطق حكم ذاتي خاضعة للرقابة الدولية.
وفي ظل غياب موقف فلسطيني موحد واستمرار الانقسام الداخلي، تتزايد المخاوف من تحول الحديث عن كيان مؤقت إلى واقع دائم يُغلق الباب أمام أي مشروع وطني فلسطيني جامع.