تشهد العاصمة الأردنية عمّان حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا في ظل مساعٍ مشتركة مع الجانب الفلسطيني لتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط تصاعد سياسي وأمني متسارع على خلفية التحركات الإسرائيلية الأخيرة في الضفة الغربية.
فقد التقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، بنائب الرئيس الفلسطيني حسين الشيخ، بحضور مديري المخابرات في البلدين، الأردني اللواء أحمد حسني، والفلسطيني اللواء ماجد فرج.
وتركز اللقاء على بحث سبل تثبيت الهدنة في غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية، وإطلاق المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.
اللقاء الذي عقد في أجواء إقليمية متوترة، يعكس إدراك الطرفين لخطورة اللحظة الراهنة، خاصة مع تزايد الحديث في الأوساط الإسرائيلية عن "فرض السيادة" على الضفة الغربية.
وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن إشراك مديري المخابرات في اللقاء يعبر عن مستوى التنسيق الأمني العميق بين عمان ورام الله، وهو تنسيق لم ينقطع رغم الضغوط السياسية منذ حرب غزة الأخيرة.
وأكد الطرفان أهمية تكاتف الجهود لإنجاز المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والانتقال إلى مرحلة سياسية تتيح أفقًا حقيقيًا للسلام، على أساس حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
وفي ملف غزة، جرى التأكيد على أن القطاع يمثل جزءًا لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، وأن أي ترتيبات انتقالية يجب أن تعكس هذه الحقيقة وتكرسها.
وأعاد الصفدي والشيخ التأكيد على تقديرهما للجهود الأمريكية والمصرية والقطرية في إنجاز اتفاق وقف إطلاق النار، وأشادا بشكل لافت، بدور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الدفع باتجاه إعادة إعمار غزة ومنع تهجير سكانها، في خطوة فسرها محللون بأنها محاولة لاستثمار أي انفتاح أمريكي نحو تسوية سياسية جديدة.
في المقابل، دان الطرفان مصادقة الكنيست الإسرائيلي على مشروعي قانونين يقضيان بفرض السيادة على الضفة الغربية وشرعنة مستوطنة غير قانونية، معتبرين ذلك تصعيدًا خطيرًا يقوض الجهود الرامية إلى تثبيت الهدنة، ويهدد بنسف أساس حل الدولتين.
ويرى عضو المكتب السياسي للجبهة العربية الفلسطينية، عمران الخطيب، أن لقاء عمان يأتي في إطار التنسيق السياسي والأمني المشترك في مختلف الجوانب والتطورات، خاصة بعد مواقف الأحزاب اليمينية الإسرائيلية المتطرفة في الكنيست الإسرائيلي، وطرحها قضيتي ضم الضفة الغربية وشرعنة الاستيطان الإسرائيلي المنتشر فيها دون توقف.
ويقول الخطيب، في تصريح لـ"إرم نيوز"، إن الموقف الأردني يهدف إلى منع التهجير الإجباري والطوعي للفلسطينيين، ومواجهة محاولات إسرائيل المتكررة من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة لإحياء ما يسمى بـ"قضية الوطن البديل".
ويلفت الخطيب إلى أن هناك مخاوف ومخاطر مما يسمى نتائج قمة السلام في شرم الشيخ، حيث لم تشمل بنود وثيقة ترامب مشروع حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية، بل ركزت على إعادة إعمار قطاع غزة.
ووفق الخطيب، فإن توزيع نحو 350 ألف قطعة سلاح للمستوطنين من قبل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ساهم في عسكرة المجتمع الاستيطاني وتعزيز فكرة التهجير القسري للفلسطينيين، محذرًا من أن إسرائيل تسعى لإحياء نموذج روابط القرى القديمة عبر تفكيك السلطة الفلسطينية وتحويل المدن إلى وحدات محلية بلا مركزية سياسية، في خطوة قد تمهد لتصفية فكرة الدولة الفلسطينية نهائيًا.
ويرى بعض المحللين أن التطورات الأخيرة في الكنيست، إلى جانب استمرار سياسات الضم والاستيطان، تعيد إلى الواجهة مخاوف أردنية متجذرة من انعكاسات "مشروع إسرائيل الكبرى"، الذي يشكل، بحسب المحلل السياسي بلال العضايلة، تهديدًا وجوديًا للأردن وأمنه القومي.
ويضيف العضايلة، في تصريح لـ"إرم نيوز" أن ضم أجزاء من الضفة الغربية وتوسيع المستوطنات يعززان حالة عدم الاستقرار على الحدود الأردنية، خاصة عند معبر الكرامة، الذي شهد مؤخرًا أحداثًا أمنية متكررة.
ويقول العضايلة: في هذا السياق، يربط الأردن موقفه الرافض لعودة السفير الإسرائيلي إلى عمّان بضرورة وقف العدوان على غزة وفتح المجال أمام المساعدات الإنسانية، وأن أي تسوية مستقبلية لا يمكن أن تتجاهل وحدة الأراضي الفلسطينية.
وبلغ التوتر بين عمّان وتل أبيب ذروته منذ أكتوبر عام 2023، حين تحدث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن نية ضم أجزاء من الضفة الغربية وأراضٍ من الأغوار الأردنية، وهذه التصريحات وُصفت في الأوساط الأردنية بأنها تجاوز لخطوط حمراء تمس الأمن القومي مباشرة.
وتزامن اللقاء الأردني الفلسطيني مع تصويت الكنيست الإسرائيلي على مشاريع قوانين تمهيدية لفرض السيادة على الضفة الغربية ومنطقة معاليه أدوميم، بأغلبية طفيفة عكست انقسامًا داخليًا حتى داخل حزب "الليكود" الحاكم.
هذا التطور دفع مراقبين إلى التحذير من أن فرض السيادة الإسرائيلية يعني فعليًا إنهاء صلاحيات السلطة الفلسطينية، وتقويض أي إمكانية لقيام دولة مستقلة، الأمر الذي ينسف أسس عملية السلام ويفتح الباب أمام توترات إقليمية جديدة.
وبينما تحاول عمّان ورام الله تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، تجد القيادتان نفسيهما أمام مشهد إسرائيلي داخلي منقسم، وأجندات يمينية متطرفة تدفع نحو التصعيد وليس التسوية.