يتصاعد الجدل في العراق حول مستقبل نينوى مع عودة المطالبات بانتزاع مناطق: تلعفر، وسنجار، وسهل نينوى، وتحويلها إلى محافظة مستقلة، في خطوة اعتُبرت تمهيداً لتقسيم إداري مبني على أسس مذهبية وعرقية.
ودعت منظمة بدر بقيادة هادي العامري، إلى استحداث محافظة جديدة تضم مناطق: تلعفر، وسنجار، وسهل نينوى، معتبرة أن هذه الخطوة تمثل "إنقاذاً للمكونات العراقية من التهميش".
وقال النائب عن كتلة بدر، وعد القدو، إن تلك المناطق تعرضت لظلم كبير من الإدارات المحلية المتعاقبة، وهو ما يفرض – بحسب تعبيره – إنشاء محافظة جديدة تُنصف المكونات التي تعيش هناك.
وتعيد هذه التحركات إلى الواجهة سجالاً قديماً لطالما طُرح بشأن مستقبل نينوى الإداري، في ظل تعددية قومية ومذهبية معقدة، وواقع أمني هش، وتاريخ من الصراعات التي جعلت من أي خطوة للتقسيم محطّ تشكيك وقلق.
ويرى كثيرون أن الحديث عن محافظات جديدة في هذا التوقيت بالذات، لا يمكن فصله عن الحسابات الانتخابية، ومحاولات ترسيخ نفوذ أطراف محددة داخل المحافظة.
بدوره، قال عضو تحالف "نينوى العربي"، علي خضير، إن "المشروع يرتبط بمحاولات قوى سياسية مدعومة من إيران لإحياء أجندات ما بعد فشل مشروع (الهلال الشيعي)، بعد أن انكفأت طهران إثر خسارتها لنفوذها في سوريا، حيث تستخدم هذه الدعوات كورقة ضغط سياسي لا أكثر".
وأضاف خضير، لـ"إرم نيوز"، أن "تحويل تلعفر إلى محافظة ليس مقترحاً إدارياً جديداً، بل طُرح سابقاً بعد تحرير الموصل من تنظيم داعش، وشمل حينها إعادة تقسيم نينوى إلى وحدات إدارية متعددة، لكن المقترح قوبل برفض واسع، لأنه لم يكن يهدف لتحسين واقع المناطق بقدر ما عكس نوايا لإعادة ترتيب النفوذ السياسي على أسس طائفية".
وأشار إلى أن "هذه الطروحات تأتي قبيل الانتخابات بهدف استمالة مكون محدد، دون أن تشكل هذه الدعوات تمثيلاً حقيقياً لرغبة السكان، كما أن إجراءات تحويل الأقضية إلى محافظات تخضع لسياقات قانونية ودستورية معقدة، تجعل من تحقيق هذه المشاريع أمراً شبه مستحيل في الظروف الحالية".
وتضم مناطق تلعفر، وسهل نينوى، وسنجار، تنوعاً ديموغرافياً معقداً يجمع بين العرب والتركمان والكرد، إضافة إلى المكونات الدينية من سنة، وشيعة، ومسيحيين، وأيزيديين، وشبك، ما يجعلها صورة مصغّرة لهوية العراق الاجتماعية، لكنها في الوقت نفسه مناطق ذات طبيعة حساسة شهدت توترات وصراعات سياسية وأمنية متعددة خلال العقدين الأخيرين.
ورغم تباين الهويات، إلا أن ما يجمع هذه المناطق هو هشاشة الواقع الخدمي، وغياب التنمية المستدامة، وشعور كثير من السكان بالتهميش المتكرر، فضلاً عن موقعها الجغرافي المشترك غرب وشمال الموصل، ما يجعلها مترابطة إدارياً وأمنياً، لكن محاولات فصلها في كيانات منفصلة، غالباً، ما تُقرأ كمحاولات لإعادة رسم الخريطة السكانية لا أكثر.
وعبّرت أحزاب عراقية عن رفضها القاطع لمشاريع استحداث محافظات جديدة داخل نينوى، معتبرة أنها تمثل تهديداً لوحدة المحافظة ونسيجها الاجتماعي.
وقال تحالف العزم، ثالث أكبر تحالف سني، إن "هذه الطروحات لا تعبّر عن إرادة أبناء نينوى، وتُعد محاولة لتقسيم المحافظة على أسس طائفية وعرقية، وتفتح الباب أمام تغيير ديموغرافي مرفوض".
وأكد أن "هذه الملفات يجب أن تُناقش عبر ممثلي نينوى الشرعيين، وضمن السياقات الدستورية".
وحذّر التحالف في بيان، من أن "تمرير مثل هذه المشاريع خارج الأطر القانونية قد يشكل خطراً على السلم المجتمعي"، داعياً جميع القوى السياسية إلى تحمّل مسؤولياتها الوطنية في الحفاظ على وحدة نينوى وبنية العراق الإدارية.
ومنذ العام 2003، تناوبت جهات عدة على السيطرة على مناطق نينوى، مثل البيشمركة الكردية إلى الحشد الشعبي، ما خلق واقعاً أمنياً وسياسياً هشاً، حيث تبدلت الولاءات وتغيرت ملامح السلطة أكثر من مرة، ما عمّق الشكوك بأن أي مشروع تقسيمي سيكون بوابة لصراع جديد.
ومن جانبه، قال الباحث في الشأن السياسي، محمد التميمي، إن "الحل لا يكمن في التقسيم، بل في إصلاح الإدارة المحلية، وضمان التمثيل العادل لجميع القوى الفاعلة داخل المحافظة، لأن الاستحداث الإداري إذا لم يكن جزءًا من رؤية وطنية متكاملة، سيتحول إلى أداة لإعادة توزيع النفوذ لا أكثر".
وأضاف التميمي، لـ"إرم نيوز"، أن "إثارة هذه المشاريع في هذا التوقيت تُقرأ كمناورة انتخابية تهدف إلى خلق انقسام داخل البيئة المحلية، وفتح خطوط تفاوض جديدة بيد أطراف تسعى لتكريس حضورها من بوابة تمثيل المكونات".
وأشار إلى أن "أخطر ما في هذه الدعوات هو استخدامها كبدائل عن معالجة حقيقية للفشل الإداري والاقتصادي، ما يجعلها مجرّد عملية تدوير للأزمات بدلًا من حلّها، ومن هنا فإن الموقف الحاسم يجب أن يُبنى على معيار الجدوى الوطنية، لا على شعارات العزل والتفكيك".