تثار كثير من الأسئلة حول يحيى السنوار الرجل الذي وُصف بـ"الشبح"، وكان واحدًا من أبرز الذين تحاول إسرائيل الوصول إليهم، منذ الأيام الأولى للحرب في غزة.
إلا أن الإعلان عن اختياره رئيسًا لمكتب حماس السياسي، أثار أسئلة أخرى تتعلق بطرق التواصل مع السنوار سواء أداخليًّا أم خارجيًّا .
فكيف يستطيع الرجل الأكثر تعرضًا للملاحقة، إذ تطارده أجهزة استخبارات، وجيش كامل، أن يتواصل مع أعضاء الحركة التي يرأسها، أو أن يتابع المهمات التي يفرضها عليه المنصب، في مواجهة تقنيات التنصت الإسرائيلية التي تعد من بين الأكثر تطورًا في العالم؟
اللغز
تشير معطيات عدة إلى أن الرجل يستنسخ تجربة ميليشيا "حزب الله" اللبناني في إدارة التواصل بين أمينها العام حسن نصر الله وبقية المفاصل في التنظيم.
كان السر لدى حزب الله، هو مواجهة أحدث تقنيات التواصل، بأكثرها بدائية، وهكذا بنى شبكة اتصالات كاملة خاصة به، أحدث ما فيها هو الاتصال السلكي عبر الهواتف السابقة للهواتف المحمولة، وهو ما يجعل أي اختراق لها مستحيلًا إلا في حال اختراق الأسلاك ذاتها.
إضافة إلى ذلك كان الاعتماد على الاتصال ما قبل الهواتف السلكية، عبر نقل الرسائل شفهيًّا، خاصة في أوقات "السلم".
ما يشبه ذلك عملت عليه حركة حماس في غزة، وحسب ما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" قبل أيام، عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، فإن السنوار تخلى عن الاتصالات الإلكترونية منذ مدة طويلة.
وأوضح المسؤولون للصحيفة أن "الشبح" يستعين بأشخاص للتواصل مع أفراد المنظمة.
وقال مسؤول إسرائيلي إن معرفة كيفية عمل ذلك النظام في التواصل ما زالت لغزًا.
لغز يتزايد غموضه مع أنباء تشير إلى أن أعضاء الحركة المشاركين في مفاوضات الهدنة، يصرون على معرفة رأي السنوار قبل اتخاذ أي قرار، وهو ما يضاعف المهمات التي يتولاها سواء أفي ميدان القتال أم في السياسة.
وحسب ما نقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤولين إسرائيليين، فإن التواصل مع السنوار، بخصوص المفاوضات صار أكثر صعوبة، إذ إنه سابقًا كان يرد على الرسائل خلال أيام، على حين زادت تلك المدة في الأشهر الأخيرة.
نموذج تموز 2006
ما يشهده قطاع غزة، يشبه في بعض تفاصيله ما شهده جنوب لبنان عام 2006، وفي تلك الحرب بين ميليشيا حزب الله، وإسرائيل، كانت أجهزة استخبارات كثيرة تبحث عن حسن نصر الله، ولكنه بقي يدير الحرب حتى نهايتها، ويتواصل مع التنظيم.
وسبق أن نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر إسرائيلية أن "حزب الله يستخدم شبكة اتصالات أرضية خاصة يعود تاريخها إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين".
وأشارت المصادر إلى أنه مع بداية الحرب الراهنة، حظر الحزب استخدام الهواتف المحمولة، واستبدلها بوسائل اتصال قديمة، تعتمد "الرسائل المشفرة" والتواصل الشفهي عبر السعاة.
وكانت حرب تموز عام 2006 شهدت معركة داخلية في لبنان في إثر إثارة قضية ما عُرفت بـ"شبكة اتصالات حزب الله"، وقد تحدث عنها نصر الله في حينه بوصفها "سلاحًا مهمًّا" في الحرب.
وبقيت الشبكة بعيدة عن الاختراق، إذ إنها تعتمد على الاتصال السلكي، وحين يتعذر فالاتصال الشفهي، بدائرة ضيقة جدًّا، كل فرد منها لديه اتصالات بدائرة أخرى ضيقة.
ورغم وجود فارق كبير بين الحربين، وفي الإمكانات بين التنظيمين، وجغرافية المكان لكل منهما، فإن الخطوط العريضة لطريقة التواصل متشابهة، وأهمها: مواجهة أحدث التكنولوجيا، بأكثرها بدائية.
هكذا بقي السنوار يتابع ما يجري، ويتواصل مع الحركة، من دون أن يظهر له أي وجود حقيقي باستثناء صورة واحدة نشرها الجيش، لرجل يمشي في نفق، قال إنه السنوار.
ورغم أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أنشأت خلايا مختصة بملاحقة السنوار، وللهدف ذاته شكلت وكالة الاستخبارات الأمريكية (حسب ما ذكرت "نيويورك تايمز" في وقت سابق)، فريق عمل، بل إنها استخدمت رادارًا يصل إلى أعماق الأرض.
فإن النتيجة كانت مقطعًا مصورًا لظل رجل يتحرك في نفق، إضافة إلى الرواية اللاحقة التي نشرت تفاصيلها صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" قالت فيها إن قوات إسرائيلية كانت على بعد خطوات من السنوار، حتى إن قهوته كانت لا تزال ساخنة.