أثارت جولة ميدانية للمبعوثة الأممية إلى ليبيا، هانا تيتيه، شملت مدنًا مثل بني وليد غربي البلاد، تساؤلات حول ما إذا كانت تحشد الدعم لإطلاق خارطة الطريق التي تحدثت عنها خلال إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي.
ويسود جمود سياسي ليبيا منذ انهيار الانتخابات العامة التي كان من المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر / كانون الأول عام 2021، وذلك بسبب خلافات حول القوانين الانتخابية.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي الليبي، الدكتور خالد محمد الحجازي، إن "الجولات الميدانية التي تقوم بها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، خصوصًا في مناطق مثل بني وليد، والتي تُعرف بتوازناتها القبلية وحساسيتها تجاه السلطة المركزية، لا تأتي من فراغ، وغالبًا ما تسبق هذه الجولات إعلان مبادرات سياسية أو تفاهمات جديدة".
وأضاف الحجازي، لـ"إرم نيوز"، أنه "من المعروف أن المبعوث الأممي السابق عبد الله باتيلي كان قد تحدث مرارًا عن ضرورة مقاربة شاملة وشمولية لا تستثني أحدًا، وهو ما قد تكون تيتيه تسعى لإظهاره ميدانيًا الآن".
وأشار إلى أن "الجولة على الأرجح جزء من ترتيبات إعلان خارطة طريق جديدة، بعد فشل كل المسارات السابقة (5+5، ومسار الدستور، ومسار القوانين الانتخابية) في حسم الملف الليبي".
وشدد الحجازي على أن "فرص نجاح تيتيه محدودة ما لم تتوفر عدة شروط أولها الشرعية الشعبية، حيث فشلت البعثة في السابق في إشراك الشارع الحقيقي، وكانت تعتمد على نخب مغلقة وشخصيات مكررة، والحياد الدولي الحقيقي".
وقال إنه "يجب أيضًا أن تتضمن الخارطة رؤية واضحة لتفكيك الميليشيات أو إعادة هيكلتها في إطار وطني".
وتوقع الحجازي أن "تكون الجولة تمهيدًا لخارطة طريق جديدة، لكن فرص نجاحها ضعيفة ما لم تشمل تغييرات حقيقية، منها إخراج النخب الفاسدة، إشراك قوى المجتمع الحقيقية، وفرض حد لتغوّل الميليشيات".
من جانبه، قال المحلل السياسي وعضو الأمانة العامة لحزب ليبيا النماء، حسام محمود الفنيش، إن "التحرك الأممي يهدف إلى الاسترشاد برؤية الشارع الليبي قبل الإعلان عن خارطة الطريق الجديدة التي يتوقع الكشف عنها مع نهاية شهر أغسطس/آب المقبل".
وأوضح الفنيش، لـ"إرم نيوز"، أن "اللافت في جولة البعثة هذه المرة هو سعيها لتوسيع خارطة التواصل لتشمل أطرافًا محلية متعددة، ظلت على هامش العملية السياسية في مدن تحمل تاريخًا من التمايز السياسي والمجتمعي، مثل بني وليد التي ظلت خارج استقطابات الصراع بين الأطراف المهيمنة على القرار الليبي".
وقال: "يبدو بأن البعثة تدرك أن أي خارطة طريق جديدة ستواجه مقاومة من القوى المسيطرة حاليًا، ولهذا فهي تحاول إعادة تشكيل شبكة شرعية جديدة تستند إلى القاعدة المجتمعية لا إلى توافقات النخب المسيطرة وحدها".
وبين الفنيش أن "الرهان هنا محفوف بالصعوبات، إذ إن إدماج الشارع في خارطة الطريق لا يعني تلقائيًا تراجع مراكز النفوذ التقليدية عن مواقعها، بل قد يدخل المشهد في مواجهة جديدة بين ما تريده النخب المسيطرة وما يطلبه الشارع".
وأكد أن "فرص نجاح هذه المقاربة الأممية الجديدة مرهونة بعدة اعتبارات، أبرزها مضمون خارطة الطريق ذاتها، ومدى وضوحها وجديتها في معالجة جوهر الأزمة لا في تدويرها، كما أن التجانس الدولي حولها سيكون عنصرًا حاسمًا، فخلافات الرعاة الإقليميين والدوليين سبق أن قوضت مبادرات سابقة".
واستطرد الفنيش بالقول: "وفي الداخل تبقى معضلة التمكين الفعلي لهذه الخارطة قائمة وسط منظومة سياسية وأمنية معقدة لا تقبل بسهولة التنازل أو إعادة توزيع النفوذ".
ورجح أن "البعثة تحاول اليوم إعادة هندسة المشهد بطريقة تفضي إلى توافق على قاعدة جديدة تأخذ في الحسبان أصوات البلديات والمكونات والمجتمعات المحلية والشارع الليبي التي طالما وضعت في خانة المتفرج".