تتجه الأنظار في العراق إلى الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها غدًا الثلاثاء، في استحقاق سياسي يُتوقع أن يعيد توزيع الأوزان داخل المكونات التقليدية، أكثر مما يُحدث تغييرًا في بنية النظام السياسي نفسه.
وبينما تنشغل القوى العراقية الكبرى في تثبيت مواقعها ضمن معادلة السلطة القائمة منذ عام 2003، تشير التقديرات إلى أن صناديق الاقتراع لن تُنتج تحولًا جذريًا بقدر ما ستمنح شرعية جديدة لنظام المحاصصة الذي يقوم على مبدأ التوازن الطائفي والإثني.
وبحسب تقرير المجموعة المستقلة للدراسات، التي يديرها رئيس مركز غالوب الدولي في الشرق الأوسط، منقذ داغر، فإن نسبة المشاركة المتوقعة تتراوح بين (30 - 40)% من مجموع حاملي البطاقات البايومترية، وهو ما يعني أن المشاركة الفعلية على مستوى عموم الناخبين ستكون أدنى من ذلك بكثير.
ويؤشر هذا التراجع لاستمرار أزمة الثقة بالعملية الانتخابية، وغياب القناعة لدى فئات واسعة من العراقيين بقدرة الانتخابات على إحداث تغيير فعلي في إدارة الدولة أو مكافحة الفساد.
ويُرجح التقرير أن يتصدر تحالف الإعمار والتنمية بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، النتائج بنسبة تقارب 29% من الأصوات، يليه تحالف تقدم بزعامة محمد الحلبوسي بنحو 14%، ثم ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي بـ 11%، وتحالف صادقون المقرب من "عصائب أهل الحق" بنحو 6%.
أما الأحزاب الصغيرة والمستقلون، فيُتوقع أن يحصلوا مجتمعين على ما يقارب 19% من الأصوات، فيما تبقى نسبة 10% من الناخبين مترددة، ولم تحسم خيارها حتى عشية التصويت.
وخلال التصويت الخاص بالعسكريين وقوى الأمن الداخلي، الذي جرى أمس الأحد، بلغت نسبة المشاركة 82.42%، وهي نسبة كبيرة يُتوقع أن تنعكس على التصويت العام.
تؤكد تحليلات مراكز مختصة أن المشهد الشيعي (يحصل عادة على 180 مقعدًا من أصل 329)، يبقى الأكثر حساسية في رسم شكل الحكومة المقبلة، إذ تسعى قوى "الإطار التنسيقي" إلى البقاء مجتمعة كقوة شيعية أولى، مستفيدة من غياب التيار الصدري عن السباق الانتخابي، غير أن التنافس بين كتلة السوداني من جهة، والمالكي والعامري والخزعلي من جهة أخرى، يجعل البيت الشيعي منقسمًا إلى كتل متعددة تتسابق على قيادة المرحلة المقبلة.
ووفق تقرير نشره "مركز الإمارات للأبحاث"، فإن كتلة السوداني قد تنال ما بين 40 - 45 مقعدًا، فيما يحتفظ ائتلاف دولة القانون بنحو 30 - 33 مقعدًا، وكتلتَا بدر وصادقون (تابعة لميليشيا عصائب أهل الحق) ما بين 18 - 20 مقعدًا لكل منهما، إضافة إلى قوائم أصغر مثل "قوى الدولة" و"حقوق" و"خدمات" و"أبشر يا عراق"، التي قد تحصد مجتمعةً قرابة 25 مقعدًا.
وأكد التقرير أن هذه الخريطة تجعل من الإطار التنسيقي القوة الأوسع تمثيلًا بأكثر من 100 مقعد، مع احتمال ضمّ كتل صغيرة لضمان الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة.
وفي المعسكر السني (يحصل عادة على 70 مقعدًا من أصل 329)، يبدو أن التنافس سينحصر أساسًا بين تحالف تقدم بقيادة الحلبوسي، وتحالفات ثانوية كـ"العزم" و"الحسم الوطني"، فضلًا عن تحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر.
وتشير تقديرات إلى أن الحلبوسي يتجه نحو صدارة واضحة بحصوله على ما بين 35 - 40 مقعدًا، مستفيدًا من حضوره المحلي في الأنبار وبغداد وصلاح الدين، ونتائج انتخابات المحافظات السابقة التي عززت رصيده السياسي.
غير أن هذا التفوق لا يعني بالضرورة تمكنه من العودة إلى رئاسة البرلمان، إذ قد تتشكل كتلة موازية من خصومه داخل البيت السني بدعم غير مباشر من قوى شيعية لتقليص نفوذه.
أما في إقليم كردستان، فتظهر المعطيات استقرار المعادلة الكردية عند حدود الثنائية التاريخية بين الحزبين الكبيرين: "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني، و"الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة بافل طالباني.
ويُقدر أن يتقاسم الحزبان ما بين 50 - 55 مقعدًا من أصل 60 مخصصة للمناطق الكردية، بعد انحسار حضور "الجيل الجديد" و"التغيير" والقوى الإسلامية.
ويُرجَح أن يؤدي هذا التوازن إلى تسريع التفاهم بين الحزبين على تشكيل حكومة الإقليم الجديدة المتأخرة منذ أكثر من عام، وربما التوصل إلى اتفاق مبكر على مرشح رئاسة الجمهورية في بغداد، لتفادي أزمة التصويت التي عطلت التشكيل الحكومي بعد انتخابات العام 2021.
أما أحد أبرز ملامح هذه الدورة الانتخابية، فهو المشاركة العلنية للميليشيات المسلحة عبر واجهات سياسية محددة، لكن تأثيرها المتوقع يبدو محدودًا.
ويتوقع خبراء انتخابات أن عدد المقاعد التي قد تحصدها الكيانات المرتبطة بتلك الفصائل، مثل "حقوق" و"صادقون" و"خدمات"، نحو 25 مقعدًا مجتمعة، وهو تراجع ملموس عن حضورها في انتخابات العام 2018.
ويُعزى ذلك إلى الضغوط المالية والعقوبات الأمريكية المفروضة، إلى جانب تآكل شعبية هذه التشكيلات في المحافظات الجنوبية بعد الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، وما تبعها من اضطرابات.
وتُجمع التقديرات على أن انتخابات العام الجاري ستعيد تثبيت التوازنات التي تحكم العراق منذ عقدين، مع تغييرات شكلية في ترتيب القوى داخل كل مكوّن، في حين سيتراجع تمثيل الميليشيات المسلحة إلى أدنى مستوياته منذ العام 2014.
ومع غياب التيار الصدري عن المعادلة، يُتوقع ولادة حكومة ائتلافية جديدة تختلف في الأسماء فقط، لكنها ستبقى تدور ضمن المسار ذاته لنظام التوافق الذي رسخ ثوابته منذ العام 2003، لتكون انتخابات 2025 محطة لإعادة إنتاج النظام السياسي لا لتغييره.