لاقت خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة واستعادة الرهائن الموجودين لدى حركة حماس، ارتياحا عربيا وغربيا مشوبا بتوجّس وبتخوّف من الاعتراضات المختلفة التي قد تتربّص بالخطة.
وهذه "لاءات" من المرجح أن ترفعها ضدّ الخطة أجنحة أقصى اليمين الديني والقومي في إسرائيل التي باتت تتحكم في منظومة الحُكم وفي بقاء الحكومة في تل أبيب.
وكشف الرئيس الأمريكي عن تفاصيل خطته، التي سبق أن ناقشها مع الوفود العربية والإسلامية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدّة بنيويورك، عقب اجتماعه برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، مساء أمس الاثنين.
وتنص الخطة التي تتضمن 20 بندا على انتهاء الحرب بمجرد موافقة الطرفين المتصارعين وانسحاب القوات الإسرائيلية جزئيا للتحضير لإطلاق سراح الرهائن إلى حين توفر شروط الانسحاب المرحلي الكامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة.
ومن بين النقاط المهمة الواردة في الخطة، إعادة سراح كافة الرهائن الإسرائيليين في غضون 72 ساعة من قبول إسرائيل للخطة، في مقابل إفراج إسرائيل عن 250 أسيرا فلسطينيا يقضون أحكام سجن مؤبد و1700 من سكان غزة من الذين اعتقلتهم إسرائيل إبان الحرب.
كما تنص الخطة على العفو عن أعضاء حماس الذين يلتزمون بالتعايش السلمي ويتخلون عن السلاح على أن يتم توفير ممر آمن للراغبين منهم في مغادرة القطاع وعلى أن غزة "منزوعة التطرف" لن تكون تهديدا لجيرانها وسيتم إعادة تطويرها لصالح سكانها.
وتضع الخطة أيضا تصورا لـ "مجلس سلام" من المشرفين الدوليين بقيادة ترامب نفسه ويضم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير في دور غير محدد. وسيحكم القطاع لجنة انتقالية "تكنوقراط غير سياسية" مؤلفة من فلسطينيين وخبراء دوليين يشرف عليها "مجلس السلام ".
وبموجب الخطة، لن يتم إجبار أي شخص على مغادرة غزة التي تعرضت لأضرار جسيمة خلال الحرب، وسيكون لمن يرغب في المغادرة حرية القيام بذلك وحرية العودة.
وبموجبها أيضا، تُوافق حماس والفصائل الأخرى على ألا يكون لها أي دور على الإطلاق في حكم غزة، بشكل مباشر أو غير مباشر.
وسيتم تدمير جميع البنى التحتية العسكرية، بما في ذلك الأنفاق ومنشآت إنتاج الأسلحة. وسيشرف مراقبون مستقلون على نزع سلاح غزة.
كما لن تقوم إسرائيل باحتلال غزة أو ضمها. وسيقوم الجيش الإسرائيلي بتسليم غزة التي تحتلها تدريجيا إلى قوة الاستقرار الدولية.
مباشرة عقب الإعلان عن الخطة، رحبت دول عربية وإسلامية بها منوهة بجهود ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة.
وأكد بيان مشترك صادر عن وزراء خارجية الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر والأردن وإندونيسيا وباكستان وتركيا وقطر (وهي الدول التي حضرت اللقاء مع الرئيس الأمريكي في نيويورك) على ثقتهم بقدرة الرئيس ترامب على إيجاد طريق للسلام.
وشدد الوزراء على أهمية الشراكة مع الولايات المتحدة في ترسيخ السلام في المنطقة، مؤكدين ترحيبهم بإعلان الرئيس ترامب عن مقترحه الذي يتضمن إنهاء الحرب، وإعادة إعمار غزة، ومنع تهجير الشعب الفلسطيني، ودفع عجلة السلام الشامل، وكذلك إعلانه بأنه لن يسمح بضم الضفة الغربية.
وأكدوا استعدادهم للتعاون بشكل إيجابي وبنّاء مع الولايات المتحدة والأطراف المعنية لإتمام الاتفاق وضمان تنفيذه، بما يضمن السلام والأمن والاستقرار لشعوب المنطقة.
وشدد الوزراء على التزامهم المشترك بالعمل مع الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في قطاع غزة من خلال اتفاق شامل يضمن إيصال المساعدات الإنسانية الكافية إلى القطاع دون قيود، وعدم تهجير الفلسطينيين، وإطلاق سراح الرهائن، وإنشاء آلية أمنية تضمن أمن جميع الأطراف، والانسحاب الإسرائيلي الكامل، وإعادة إعمار غزة.
وعلى الرغم من فسحة الأمل والتفاؤل التي أثارها الإعلان عن الخطة الأمريكية، إلا أنّ التقديرات في صلب الأجنحة اليمينية الدينية في تل أبيب تُشير إلى رفضها لهذه الخطة، وتعويلها على استدامة الحرب الطاحنة في القطاع.
وتؤكد التقارير الواردة من تل أبيب أنّه من غير المرجح أن تنال الخُطة الأمريكية رضا وموافقة اليمين الديني المتطرف الذي يتحالف مع بنيامين نتنياهو في الكنيست وفي الحكومة، وأن الانخراط في هذه الخطة من شأنه أن يعصف بأية آمال لاستمرار الحكومة.
وتشير التقارير السياسية والإعلامية الإسرائيلية إلى أنّ الخُطة تضرب على الأقلّ 4 من مقوّمات رؤية اليمين الديني المتطرف لصيغ إنهاء الحرب، وهي "تهجير أهل غزّة"، و"احتلال القطاع وتطويعه للسلطة الإسرائيلية"، و"ضمّ الضفة الغربية"، و"إنهاء حركة حماس بشكل كامل ونهائيّ".
وتعتبر التقارير أنّ الخطة الأمريكية ينظر لها داخل أوساط اليمين الديني في إسرائيل، بأنها تراجع واضح عن وعود نتنياهو وترامب حول غزّة، وعن معايير وشروط الانتصار الإسرائيلي كما أكدّها نتنياهو في خطاباته العديدة، المتمثلة في إنهاء حركة حماس، والسيطرة على القطاع، واستعادة كافة الرهائن دون أثمان سياسية غالية.
ومن المنتظر أن تعرف جلسات الكابينيت الإسرائيلي أجواء عاصفة بين أقطاب وأضلاع التحالف الحاكم، ومن غير المستغرب أن تتأثر الغالبية البرلمانية الهشّة أصلا في الكنيست بهذه الخطوة في حال لم يغير نتنياهو موقفه المؤيد لها.
وتشير المصادر الإسرائيلية القريبة من بنيامين نتنياهو إلى أنّ الأخير سيدافع عن خطة ترامب وفق 4 اعتبارات على الأقل، الأول أنّ الخطّة تنزع السلاح عن القطاع بأكمله وليس فقط عن "حماس"، والثاني أنّ الخطة تستبعد "حماس" وباقي الفصائل الأخرى من أية مشاركة في الحكم سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.
والثالث أنّها ستعيد الرهائن بأثمان معقولة لا كما كانت تنادي الفصائل الفلسطينية بتبييض السجون من الأسرى الفلسطينيين، والرابع وجود الضامن الأمريكي ممثلا في الرئيس ترامب الذي سيكون بمثابة المشرف الحقيقي عن هذه الخطة من خلال إشراف على مجلس السلام الذي بدوره سيُشرف على "حكومة التكنوقراط".
ووفق ذات التقديرات، فإنّ المشهد الحكومي والبرلماني في إسرائيل مقبل على تغيرات جوهرية وعلى تحالفات جديدة وعلى انقلابات في موازين القوى في حال تبنى نتنياهو الخطة بشكل كامل.
وتضيف التقديرات أنّ نتنياهو صار أقرب إلى التسوية وفق المنظور الأمريكي، من أي وقت مضى، وأنّه لم يعد رهين التحالفات مع اليمين المتطرف القومي والديني، بسبب قرب الانتخابات في 2026، وهي انتخابات يريد نتنياهو أن يكون فيها بصورة البطل القومي الأوحد.
وهذا سيمكّن حزب الليكود من غالبية واضحة في البرلمان تمكنه من تشكيل الحكومة دون تحالفات قسرية وقاسية كالتي هي قائمة اليوم.
في الطرف المقابل، يبدو أنّ الفصائل الفلسطينية لم تجد في الخطّة الأمريكية ما ترنو إليه من صناعة صورة الفوز لدى جماهيرها، أو حتى تسويق سردية المنتصر في الخطاب السياسي والإعلامي في ظلّ الخسائر الكبرى التي عرفتها الفصائل من حيث العتاد والقيادات.
ووفق التقديرات الفلسطينية، فإنّ الفصائل، وعلى وجه التحديد الأجنحة الراديكالية منها، لن ترضى بخروجها من مشهد الحكم في غزّة، ولن يرضيها أيضا الالتزام التام بعدم المشاركة في الحكم بشكل مباشر أو غير مباشر، والقبول بتسليم السلاح وتفكيك وتدمير كلّ ترسانتها العسكرية والصاروخية، بما يعني خسارتها على الملأ والتصريح بنهايتها سياسيا وعسكريا.
وتؤكّد المصادر الفلسطينية أنّ الخطّة سيقع تمثلها لدى الفصائل المسلحة بأنّها انتصار شبه كامل لإسرائيل وهزيمة مكتملة الأركان لها، على الرغم من تضمنها نقاطا مهمة على رأسها إسقاط مخطط التهجير واللجوء، وتأمين الانسحاب العسكري المتدرج من القطاع، وإدخال المساعدات الإنسانية.
في الأثناء، قد تتحرك الوساطات العربية لفرض الخطة. ويبدو أنّ قطر التي أعاد الاعتذار الإسرائيلي الدفء لخطّ وساطتها الدبلوماسية، ومصر التي ترى في الحرب تهديدا لمجالها الأمني، والأردن الذي بات يخشى من أية تداعيات ممكنة لفرضية ضمّ الضفة الغربية، ستكون هذه المرة عوامل ضغط حقيقية على الفصائل الفلسطينية لإعلان القبول إما النهائي أو في أقل الحالات المبدئيّ وبالتالي الدخول في مشاورات حول بعض الشروط والبنود والضمانات.
في المحصلة، وفي الوقت الذي تنظر فيه العواصم العربية والإسلامية لهذه الخطة كأحسن الفرص الممكنة، لإعادة التهدئة وإيقاف الحرب وإدخال المساعدات، يبدو أنّ المتطرفين من هذا الفريق وذاك، ما يزالون يضبطون ساعات إيقاف الحرب والنزيف على ساعات أخرى وعلى عواصم أخرى.