حذرت دوائر أمنية في تل أبيب من تململ وفقدان سيطرة قادة الجيش الإسرئيلي على الضباط والجنود، إثر تورط ألوية الجيش "بمفردها"، دون الأجهزة الأمنية الأخرى، في مواجهة تنامي ظاهرة عنف خلايا اليمين المتطرف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.
ووفقًا لتحقيق مطول نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أبدى جنود وضباط الجيش الإسرائيلي سخطًا بالغًا، إزاء ما سموه "الأوامر القاسية"، الرامية إلى احتواء عنف المستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين، والتي ارتفع معدلها إلى مستوى غير مسبوق خلال الأسبوعين الماضيين في الضفة الغربية.
وخلال اجتماع مع رئيس الأركان إيال زامير، اعترف ضباط وجنود الجيش بتواطؤ الشرطة الإسرائيلية مع المستوطنين، لا سيما في ظل حصول أنشطتهم المتطرفة على غطاء من وزراء الائتلاف، خاصة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
وفيما يضاهي حالة تمرد، ادعى بعض الجنود أمام قادتهم، أنهم لم يتطوعوا في الجيش الإسرائيلي من أجل مواجهة إرهاب المستوطنين اليهود.
وعلميًا، كما تقول "يديعوت أحرونوت"، نفذ جنود الاحتياط الإسرائيلي مهام احتواء عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين بالنيابة عن الشرطة الإسرائيلية، وكذلك حرس الحدود.
وأوضحوا أن "الشرطة ليست معنا في هذا الصراع، ولذلك هناك زيادة في عدد وشدة هذه الحوادث العنيفة".
وبعد نشر قوات كبيرة من جنود الاحتياط في بؤر التوتر المحتملة خلال الأسبوعين الماضيين، شهد الجيش انخفاضًا ملحوظًا في حوادث العنف، لكنه واجه أيضًا انتقادات من الجنود، الذين نفذوا هذه المهام. وهؤلاء في الغالب مقاتلون احتياطيون، تم حشدهم في الضفة الغربية للمرة السادسة أو السابعة على التوالي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وفي مواجهة عجز أو تواطؤ الأجهزة الأمنية المختلفة إزاء موجة العنف التي يمارسها اليهود المتطرفون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، نفد صبر جنود الجيش الإسرائيلي.
وفي مناقشة خاصة عقدها الشهر الماضي، رئيس الأركان إيال زامير مع قادة الألوية في فرقة الضفة الغربية، طلبوا منه التدخل على الفور، وأوصو بضرورة العمل بمذكرات الاعتقال الإدارية ضد المتطرفين اليهود، التي ألغاها وزير الدفاع يسرائيل كاتس عند توليه منصبه، تحت ضغط سياسيين من حزبي الوزراء بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
وتصاعد يأس جنود الجيش الإسرائيلي حتى قبل المعارك الدامية، التي شنتها خلية "شبيبة التلال" قبل نحو أسبوعين على مزرعة فلسطينية جنوب جبل الخليل.
وفي هذه الحادثة، التي وصفها كبار ضباط الجيش الإسرائيلي بأنها "سادية بحتة"، أقدم الإرهابيون اليهود أنفسهم على طعن عمال بناء، بالإضافة إلى عقر بطون قطعان أغنام في حظيرة فلسطينية أمام كاميرات المراقبة.
كما ألحقوا أضرارًا جسيمة بالممتلكات - في وضح النهار ووجوههم ملثمة - على غرار المداهمات العنيفة الأخرى التي تحدث أسبوعيًا، وأحيانًا يوميًا، من جنوب تلال الخليل، مرورًا بشرق غوش عتسيون إلى جبال شيلو، ومن هناك شمالًا نحو نابلس.
ويتحدث الجيش الإسرائيلي عن تجاوز جميع الخطوط الحمراء، ويشير بأصابع الاتهام مباشرة إلى وزراء الحكومة الذين يصادف الجيش وجودهم عند إخلاء بؤر استيطانية غير قانونية في الضفة الغربية.
ووصف كبار مسؤولي الجيش وضعًا عبثيًا يواجه فيه الجنود المكلفون بإنفاذ القانون مقاومة جسدية من وزراء الحكومة الإسرائيلية الذين يصلون إلى هذه البؤر الاستيطانية، ويقفون إلى جانب المستوطنين.
ورأت الصحيفة العبرية أن "هذا المناخ التمكيني يتخلل أيضًا شرطة إسرائيل، والتي، وفقًا لضباط الجيش، نادرًا ما تطبق القانون، ونادرًا ما تعتقل المشتبه بارتكابهم في الجرائم".
وأدى الإحباط الذي أصاب جنود الجيش الإسرائيلي خلال الشهر الماضي إلى تصعيد الموقف، إذ تم تكليف مئات الجنود بمهام تأمين بؤر الاحتكاك في القرى الفلسطينية المعرضة للكوارث، وفي المساحات الفاصلة بينها وبين البؤر الاستيطانية غير القانونية التي لم تُخلَ بعد.
ويقدر الجيش الإسرائيلي أن موجة العنف الحالية ــ إلى جانب الدعم الصامت لها من جانب المسؤولين الحكوميين وبعض المستوطنين والحاخامات ــ تنبع أيضًا من الانتقام لإطلاق سراح 74 فلسطينيًا من سكان الضفة الغربية، كجزء من صفقة إطلاق سراح الرهائن، وأيضًا للرد على هدم البؤر الاستيطانية غير القانونية.