logo
العالم العربي
خاص

بين القصف والتصعيد والضغوط.. كيف تُدار "المرحلة الأخطر" في لبنان؟

عناصر الدفاع المدني اللبناني في موقع غارة إسرائيليةالمصدر: رويترز

يتقدّم التصعيد الإسرائيلي، اليوم في لبنان، ضمن مسار سياسي وزمني واضح، تستخدم فيه إسرائيل الميدان كأداة ضغط ثابتة، دون الدخول حتى الآن في مقدمات حرب شاملة.

القصف المستمر على الجنوب وشرق البلاد يفرض إيقاعه على النقاش السياسي والدبلوماسي، ويُبقي الدولة اللبنانية تحت ضغط دائم في لحظة تتقلّص فيها هوامش القرار.

التصعيد الميداني ضمن سقف سياسي

القصف الإسرائيلي لمناطق في جنوب وشرق لبنان يترافق هذه المرة مع مسار سياسي وزمني واضح.

ووصفت مصادر سياسية لبنانية لـ"إرم نيوز" التصعيد الأخير بالقول إن "الضربات الحالية تُستخدم كخلفية لأي نقاش سياسي، بحيث لا يعود ممكنًا الفصل بين ما يُبحث في الغرف المغلقة وما يُفرض في الميدان".

هذا التوازي هو ما يمنح التصعيد الحالي دلالته، إذ بات القصف وسيلة إبقاء الضغط قائمًا ومنع أي شعور بالاستقرار أو التراخي.

أخبار ذات علاقة

دوريات للجيش اللبناني

بعد إعلان حزب الله حالة الاستنفار.. الجيش اللبناني يتأهب وينشر دفاعه الجوي

في حين تتعامل إسرائيل مع القصف باعتباره وسيلة إبقاء التوتر عند مستوى محسوب، يسمح بفرض ضغط متواصل من دون الانتقال إلى مواجهة واسعة، وفق ما أفاد به مصدر دبلوماسي أمريكي مطلع لـ"إرم نيوز".

هذا النمط يهدف فعليًا إلى تثبيت واقع أمني ضاغط يجعل أي مسار سياسي يجري في بيروت محكومًا بعامل الميدان.

محطات الصراع بين إسرائيل وحزب الله

كما اعتبر المصدر أن استمرار الضربات يرسل رسالة واحدة مفادها أن النقاش السياسي يقع تحت نار مضبوطة السقف.

الوقت يضغط قبل نهاية العام

في صلب هذه المرحلة تقف "المهلة" المتداولة قبل نهاية العام، كإطار زمني تُدار ضمنه الضغوط، فكل يوم يمرّ من دون "تقدّم ملموس" يُستخدم لتضييق هامش المناورة أمام الدولة اللبنانية، ودفعها نحو خيارات أصعب.

المصادر السياسية اللبنانية أشارت إلى أن "المشكلة ليست فقط في انتهاء المهلة بحد ذاتها، ولكن في ما يسبقها أيضًا"، موضحةً أن الهدف هو خلق شعور متصاعد بأن بقاء الأمور على حالها لم يعد خيارًا مقبولًا، حتى وإن لم يكن البديل واضحًا أو قابلًا للتنفيذ فورًا.

في حين أشار المصدر الدبلوماسي الأمريكي إلى أن الميكانيزمات السياسية التي بدأت عملها، بعد انعقاد جولة أولى من الاجتماعات، والتحضير لجولة ثانية في 19 كانون الأول الجاري، لا تكفي للقول إن المرحلة بشكلها الحالي قادرة على إنتاج الحلول، وفق وصفه. 

وأضاف متابعًا: "النقاش يدور حول السقوف والحدود، وليس حول تفاهمات قابلة للتطبيق، هذا الفارق يسمح للتصعيد الميداني بأن يتقدّم على السياسة، وأن يفرض نفسه مرجعية فعلية لإيقاع المرحلة".

كذلك فإن الضغط لا يُمارس على مستوى واحد، فالدولة اللبنانية تواجه ضغوطًا متزامنة على أكثر من جبهة، سواء من خلال مطالب سياسية تتعلق بالالتزامات الأمنية، أو الضغوط على الجيش لإظهار "تقدّم" رمزي أو عملي، فضلًا عن تحميل مسؤوليات داخلية تهدف إلى نقل كلفة الاستنزاف من الخارج إلى الداخل.

أخبار ذات علاقة

قوات إسرائيلية في جنوب لبنان

الانسحاب من النقاط الخمس في لبنان.. طلب أمريكي قد يفجّر أزمة مع تل أبيب

الضغط الزمني وتحميل المسؤوليات

المصادر السياسية اللبنانية تشرح أن "الرسالة الأساسية هي أن استمرار الوضع القائم سيجعل الدولة في موقع المتهم دائمًا، وليس في موقع الطرف الذي يُعتدى عليه، هذا النوع من الضغط يهدف إلى إعادة تشكيل صورة الأزمة، بحيث يصبح النقاش حول كيفية إدارة الفشل".

وقد أفادت المصادر ذاتها لـ"إرم نيوز" أن "ما يميّز هذه المرحلة هو أن النقاشات الجارية تتعلق بحدود ما يمكن للدولة اللبنانية تحمّله سياسيًا وأمنيًا خلال الأسابيع المقبلة". 

كما كشفت أن هناك "رسائل واضحة نُقلت إلى بيروت، تفيد بأن المرحلة الحالية تُستخدم لقياس القدرة على اتخاذ قرارات صعبة"، مشيرةً إلى أن "الضغوط باتت مرتبطة بجداول زمنية ومؤشرات أداء محددة".

وكشفت المصادر أيضًا أن "بعض الأطراف الدولية باتت تتعامل مع استمرار القصف كأمر واقع، وتُركّز في نقاشاتها على كيفية إدارة تداعياته، لا على وقفه".

ولفتت إلى أن "هذا التحول يضع الدولة اللبنانية أمام معادلة صعبة؛ فإما تحمّل كلفة الضغط المتصاعد، وإما الدخول في مسار تفاوضي بشروط أكثر قسوة لاحقًا".

وأشارت إلى أن "هناك قلقًا حقيقيًا داخل دوائر القرار من أن تتحول المهلة المتداولة إلى نقطة تحميل مسؤوليات سياسية مسبقة للبنان، تُستخدم لاحقًا لتبرير تصعيد ميداني أوسع، حتى لو لم يكن ذلك فوريًا".

واشنطن بين ضبط التصعيد وتقييم البدائل

فيما قال المصدر الدبلوماسي الأمريكي من ناحيته لـ"إرم نيوز" إن "واشنطن تأخذ في الحسبان وجود آليات قائمة للنقاش، بما في ذلك انعقاد اجتماعات الميكانيزم وتعيين ممثل مدني سياسي لبناني، لكن ذلك لا يعني أن المسار السياسي بلغ مرحلة قادرة على امتصاص التصعيد الميداني أو احتوائه".

وأضاف أن "انعقاد الجولة الأولى من اجتماعات الميكانيزم لم يُترجم إلى مسار تفاوضي واضح المعالم، ولا يزال في إطار جسّ النبض وتبادل السقوف، وهو ما يجعل استمرار القصف عاملًا ضاغطًا يتقدّم على وتيرة النقاش السياسي".

وتابع أن "الجولة الثانية المرتقبة تُعدّ محطة مهمة لتقييم ما إذا كانت هذه الآلية قادرة على الانتقال من إدارة النقاش إلى إنتاج مخرجات سياسية قابلة للبناء عليها"، مشيرًا إلى أن "التصعيد الجاري يضع هذا الاختبار في إطار زمني ضيّق".

وأوضح أن "النقاش داخل الإدارة الأمريكية يتركّز حاليًا على ما إذا كانت آليات الحوار القائمة قادرة على مواكبة مستوى الضغط الميداني، أو ما إذا كانت ستبقى متأخرة عنه، وهو ما سيؤثر مباشرة في طبيعة الخيارات المطروحة بعد منتصف كانون الأول".

أخبار ذات علاقة

صورة لخامنئي ونصرالله في بيروت

سيناتور أمريكي: نفوذ إيران في لبنان أزمة تجب مواجهتها

 وأشار المصدر إلى أن "الولايات المتحدة لا ترى في الميكانيزم بديلًا عن معالجة جذور الأزمة، لكنها تعتبره اختبارًا أوليًا للقدرة على إدارة مرحلة حساسة، في وقت لا يزال فيه خطر الانزلاق إلى تصعيد أوسع قائمًا إذا فشلت المسارات السياسية في مواكبة الواقع الميداني".

وختم بالقول إن "ما بعد اجتماع 19 كانون الأول لن يكون بالضرورة بداية تهدئة، ولكن قد يكون نقطة تقييم لمسار كامل؛ فإما تثبيت قنوات الضغط السياسي ضمن سقف مضبوط، وإما الانتقال إلى أدوات أكثر حدّة إذا تبيّن أن الآليات القائمة غير كافية".

اختبار موقع الدولة اللبنانية

المحلل السياسي اللبناني، نادر سلمان، قال خلال حديثه لـ"إرم نيوز" إن ما يواجهه لبنان اليوم "محاولة منظمة لإعادة تعريف موقع الدولة اللبنانية داخل معادلة الصراع".

واعتبر أن المرحلة الحالية تُدار بمنطق اختبار قدرة الدولة على تحمّل أعباء سياسية تفوق أدواتها الفعلية، حيث يجري التعامل معها كطرف يُفترض أن يقدّم أجوبة سريعة على أسئلة بنيوية معقّدة.

وأشار سلمان إلى أن الضغط الزمني المترافق مع التصعيد الميداني يهدف إلى نقل النقاش من مستوى الأسباب إلى مستوى النتائج، بحيث تُدفع الدولة إلى التعامل مع تداعيات واقع مفروض بدل امتلاك القدرة على التأثير في شروطه.

وبرأيه، فإن الخطر يكمن في تكريس القصف كعامل طبيعي في إدارة العلاقة مع لبنان، ما يضعف تدريجيًا فكرة السيادة بوصفها مرجعية سياسية فاعلة.

وأضاف أن الآليات السياسية القائمة، رغم أهميتها الرمزية، لا تزال عاجزة عن تحويل الضغط الخارجي إلى فرصة لإعادة ترتيب الأولويات الداخلية، محذّرًا من أن استمرار هذا الخلل قد يجعل الدولة طرفًا مُطالَبًا دائمًا بالدفاع عن نفسه، وليس فاعلًا قادرًا على فرض إيقاعه.

ضبط الإيقاع دون تغيير المعادلات

من جهته، يعتبر بيار دولاكوا، الباحث السياسي الفرنسي، المتخصص في قضايا العلاقات الأوروبية–الشرق أوسطية، أن المقاربة الغربية الحالية تجاه لبنان تقوم على "إدارة التوتر وليس حلّ النزاع". 

ويشرح خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أن العواصم الغربية، وفي مقدّمها واشنطن وباريس، لا ترى في اللحظة الراهنة فرصة لتسويات كبرى، وإنما مرحلة يجب منعها من الانفلات.

ويؤكد دولاكوا أن التصعيد الميداني المتزامن مع المسارات السياسية يعكس رغبة في الإبقاء على مستوى ضغط محسوب، يسمح بإبقاء جميع الأطراف ضمن هامش يمكن التحكم به، من دون دفع المنطقة إلى مواجهة واسعة.

وبرأيه، فقد يُنظر إلى الميكانيزمات السياسية القائمة كأدوات احتواء مؤقتة، وليس كمنصات تفاوض حقيقية حتى الآن.

أخبار ذات علاقة

غارات سابقة على جنوب لبنان

حزام ناري.. غارات إسرائيلية عنيفة على مواقع لحزب الله جنوبي لبنان (فيديو)

ويضيف أن فرنسا، تحديدًا، تتحرّك انطلاقًا من هاجس الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار المؤسساتي في لبنان، أكثر من سعيها إلى فرض معادلات جديدة.

لكنه يحذّر من أن هذا النهج قد يصطدم بحدوده إذا استمر التصعيد في التقدّم على السياسة، ما قد يفرغ أدوات الاحتواء من مضمونها ويترك لبنان أمام معادلة أكثر قسوة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC