أثار قرار السلطات التونسية القاضي بتجميد نشاط عدد من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، على غرار الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تساؤلات حول دلالات هذه الخطوة، التي تأتي في وقت تشهد فيه البلاد سجالات سياسية بين السلطات وقوى المعارضة.
وبررت السلطات إجراءاتها بمخالفات إدارية وقانونية ارتكبتها الجمعيات والمنظمات المعنية بقرار تجميد النشاط، لكن مسؤولين عن تلك الجمعيات والمنظمات رفضوا ذلك، فيما دشن نشطاء حملة للتوقيع على عريضة بهدف الضغط على الحكومة من أجل التراجع عن قرارها.
وكشفت تقارير محلية في الأيام الماضية عن حل السلطات لـ 47 جمعية ومنظمة غير حكومية، فيما تم تجميد أصول 36 أخرى، الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا.
وقال مصدر حكومي في تونس، فضل عدم الكشف عن هويته كونه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام، إن "السلطات تستهدف فقط تلك الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تتلقى تمويلات أجنبية مشبوهة، لكن تلك التي لم يتم رصد أي مخالفات بشأنها لم يتم المساس بها".
وأوضح المصدر، لـ"إرم نيوز"، أن "هدفنا ليس تقويض عمل المجتمع المدني، بل العكس، نحن نسعى إلى تعزيزه من خلال تكريس الشفافية في التمويل وغير ذلك".
وتختص الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات في الدفاع عن حقوق المرأة ومكاسبها، فيما دأب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية على نشر تقارير ودراسات عن الهجرة غير النظامية، وعن أوضاع النساء العاملات في القطاع الزراعي، وأيضًا التلوث وغيرها.
وسارعت الكاتبة العامة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، رجاء الدهماني، إلى القول إن "قرار السلطات تجميد نشاط الجمعية يهدد مصير النساء ضحايا العنف"، مشيرة إلى أن "الجمعية التزمت بالإجراءات القانونية، ومع ذلك تم تجميد نشاطها".
وعلق المحلل السياسي التونسي، هشام الحاجي، بأنّ "الجانب الإداري هو معطى ثانوي، لأن التجميد الوقتي يحمل رسالة سياسية لمنظمات وجمعيات لها تحفظات على المسار السياسي، وعلاقتها متوترة مع السلطة السياسية".
وتوقع الحاجي، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن تشهد الأسابيع المقبلة توسع هذا الإجراء ليشمل منظمات وجمعيات أخرى، خاصة مع تنامي الحركة المطلبية وإصرار السلطة السياسية على احتكار الحلول، وعلى الترويج لخطاب المؤامرة، وفق تعبيره.
وشدد على أن "الإجراءات المرتقبة ضد المنظمات والجمعيات غير الحكومية تأتي في ظل تقاطع توجه السلطة السياسية في هذا الاتجاه، وأيضًا وجود ما يمكن أن يثير ضرورة المحاسبة لدى منظمات وجمعيات تتمتع بتمويلات أجنبية ضخمة".
من جانبه، قال المحلل السياسي التونسي، محمد صالح العبيدي، إن "على السلطات توخي الدقة في إجراءاتها، خاصة في ظل وجود منظمات تنشط في مجالات مهمة، وهي بالفعل قادرة على إسناد مجهودات الدولة".
وأضاف العبيدي، في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "تونس تضم عددًا ضخمًا من المنظمات غير الحكومية والجمعيات والأحزاب، لكن يجب أن لا يكون ذلك مبررًا لاستهدافها كلها، أو تلك التي تعارض السلطات، بل يجب أن يقع تطبيق القانون على المخالفين، وتثمين دور البقية".