رأى خبراء ومحللون أن سلسلة الهجمات بالطائرات المسيّرة التي استهدفت منشآت نفطية في إقليم كردستان العراق تأتي في سياق توترات منطقة الشرق الأوسط والخلافات المتصاعدة بين حكومتي أربيل وبغداد.
وسُجّلت هجمات عدة بين يومي الاثنين والأربعاء، استهدفت 5 منشآت نفطية بينها حقول خورمالا، وسرسنك، وبيشخابور، وتاوكي، وباعدرا، وتديرها شركات نرويجية وأمريكية، بينها "DNO" و"HKN Energy".
وأوقفت شركة DNO النرويجية، إنتاج النفط في حقلي "طاوكي"، و"بيشخابور" في إدارة منطقة زاخو المستقلة بشكل مؤقت بعد الاستهداف الأخير.
وقالت الشركة في بيان، إنها ستستأنف إنتاج النفط من الحقلينِ النفطيينِ بعد تقييم حجم الأضرار التي لحقت بهما جراء الهجمات بالطائرات المسيّرة، مؤكدة أن الهجمات لم تسفر عن خسائر بالأرواح.
ويرى الخبير الأمني الكردي، الفريق المتقاعد جبار ياور، أن "الهجمات الأخيرة بالطائرات المسيّرة، سواء في كردستان أو مناطق أخرى مثل كركوك وبيجي والسليمانية، جاءت في توقيت بالغ الحساسية بعد انتهاء الحرب الإيرانية الإسرائيلية"، مشيرًا إلى أن "الانقسام الذي ظهر داخل الخطاب الإعلامي العراقي، بين من يناصر إيران ومن يدافع عن إسرائيل، خلق بيئة مشحونة دفعت بعض الجهات إلى ردود فعل ميدانية".
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن "بعض الحركات المصنفة ضمن ما يُعرف بـ(المقاومة الإسلامية) في العراق قد تكون شعرت بالغضب من لهجة بعض المواقع والشخصيات السياسية التي ألمحت إلى نهاية قريبة للنظام الإيراني أو وصفت الضربة الإسرائيلية بأنها مبررة؛ ما ولّد حالة استقطاب سياسي وأمني خطير".
ورأى أن "الهجمات، وإن لم تتبنها جهة معلنة، فإنها قد تكون استُخدمت كوسيلة ضغط سياسي لتعكير العلاقة بين أربيل وبغداد، خصوصًا مع استمرار الخلافات حول ملف النفط والموازنة"، لكنه شدد على أن "كل ما يُقال حتى الآن يبقى ضمن التحليل، في ظل غياب أي بيان رسمي من الجهات المختصة بشأن نوع المسيّرات أو مصدرها".
وتأتي هذه الهجمات في وقت يشهد فيه الإقليم توترًا متصاعدًا مع بغداد، على خلفية وقف تمويل رواتب موظفي كردستان، وفشل الاتفاقات النفطية، وتصاعد الحديث عن انسحاب كردي من العملية السياسية.
ورغم عدم تسجيل إصابات بشرية، فإن الأضرار المادية دفعت شركات أجنبية إلى وقف عملها مؤقتًا، وهو ما يثير مخاوف من هروب الاستثمارات النفطية.
وأعربت السفارة الأمريكية في بغداد عن "غضبها" من هذه الهجمات، وحثت الحكومة العراقية على "فرض سلطتها لمنع الجهات المسلحة من استهداف مواقع داخل أراضيها"، فيما أشار رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى أن "التحقيق مستمر بالتعاون مع التحالف الدولي لتحديد الجهة المسؤولة".
وتكمن خطورة هذه الهجمات في ارتباطها المباشر بمواقع لإنتاج الغاز الطبيعي، مثل حقل "خورمالا"، الذي يزود محطات توليد الكهرباء في الإقليم؛ ما يعني أن استمرار التصعيد قد يؤثر على شبكة الطاقة في كردستان وربما في مناطق أخرى.
وتُظهر بيانات وزارة الثروات الطبيعية أن إقليم كردستان ينتج أكثر من 400 ألف برميل يوميًا من النفط، يذهب جزء منه للاستهلاك المحلي، والجزء الآخر للتصدير، وتديره شركات أجنبية عبر شبكة أنابيب تصل إلى ميناء جيهان التركي.
ورغم عدم وجود إعلان رسمي عن هوية المنفذ، فإن مراقبين يرجحون تورط فصائل مرتبطة بإيران، خصوصًا في ظل امتلاك تلك الفصائل لطائرات مسيّرة إيرانية الصنع، وتاريخ سابق في استهداف قواعد أمريكية ومنشآت حيوية في كردستان.
كما أن توقيت الهجمات يتزامن مع توقيع شركة "HKN Energy" الأمريكية اتفاقًا جديدًا مع الحكومة الاتحادية لاستثمار حقول نفطية في حمرين، شرق العراق، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها محاولة من بغداد لاحتواء الاستثمارات الغربية، وتحجيم نفوذ أربيل في هذا المجال.
من جانبه، رأى الباحث في الشأن السياسي عبدالله الركابي أن "الهجمات بالطائرات المسيّرة على منشآت الطاقة في إقليم كردستان لا يمكن فصلها عن الصراع المزمن بين المركز والإقليم، خصوصاً في ظل تفاقم الملفات العالقة وعلى رأسها النفط والرواتب والتبعية الإدارية لبعض المناطق المتنازع عليها".
وأوضح الركابي في حديث لـ"إرم نيوز" أن "اللافت في هذا التصعيد أنه لا يستهدف مصالح أميركية أو مقرات عسكرية أجنبية، بل يضرب مباشرة منشآت نفطية مدنية، ما يشير إلى أن الرسالة موجهة داخلياً بالدرجة الأولى، سواء لحكومة الإقليم أو لحلفائها الدوليين".
وحذّر الركابي من أن "استمرار هذا النوع من الهجمات في غياب موقف حاسم من الحكومة الاتحادية قد يُعمّق حالة فقدان الثقة، ويعزز دعوات الانفصال السياسي أو الفدرالية المتشددة داخل كردستان".
وفي مطلع يوليو/ تموز الجاري، اتهمت وزارة داخلية إقليم كردستان فصائل تابعة لـ"الحشد الشعبي" بالوقوف وراء إطلاق طائرة مسيّرة سقطت قرب مطار أربيل، معتبرة أن الهدف من الهجوم هو "إثارة الفوضى وتعكير أمن الإقليم".
في المقابل، ردّ المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، برفض "الاتهامات الموجهة للحشد"، وواصفًا إياها بأنها "مرفوضة ومدانة وغير مسموح بها تحت أي ذريعة"، ومؤكدًا أن الحكومة الاتحادية "لن تجامل على حساب أمن العراقيين، وستتخذ الإجراءات القانونية بحق أي جهة تحاول المساس بالاستقرار".