رأى محللون أن إسرائيل انتقلت من المواجهة المباشرة إلى الفوضى في حربها على غزة، وذلك عبر إغراق القطاع الفلسطيني المُدمر بالسلاح والميليشيات.
ويكرّس تعاظم قوة الميليشيات المسلحة التي أنشأتها إسرائيل في قطاع غزة، واقعًا جديدًا، باتت فيه هذه المجموعات لاعبًا أمنيًا في تنفيذ مهام عدة من بينها عمليات الاغتيال.
ونشر مسؤولون في هذه الميليشيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صورًا تظهر حصولهم على أسلحة أكثر أهمية من الرشاشات الآلية التي كانت بحوزتهم، من أبرزها قاذفات "RPG"، التي تستخدم لاستهداف المركبات والمواقع المحصنة.
وتبدو هذه الأسلحة مشابهة تمامًا لما كانت تستخدمه حركة حماس خلال عملياتها ضد الجيش الإسرائيلي، ما يشير إلى أن هذه الميليشيات قد تكون حصلت عليها بعد مهاجمة عناصر حماس في رفح جنوب قطاع غزة.
وقال المحلل السياسي باسم أبو عطايا، إن "إسرائيل تسعى دائمًا لخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المناطق التي لا تستطيع السيطرة عليها بشكل مباشر، حتى بعد انسحابها منها، وذلك عبر زرع العملاء وتغذية الجماعات المسلحة لأداء أدوارها بالنيابة عنها".
وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن "هذا السلوك بات واضحًا اليوم في قطاع غزة، حيث تعمل إسرائيل على تمويل وتسليح مجموعات مسلحة، بهدف فرض السيطرة غير المباشرة على السكان وتوجيه الأوضاع بحسب مصالحها، بما في ذلك تنفيذ عمليات اغتيال تطال قيادات لا تستطيع الوصول إليهم مباشرة".
وأشار أبو عطايا إلى أن "إسرائيل، في حال اضطرت للانسحاب من غزة في المرحلة القادمة، ستعتمد على هذه الجماعات لإدارة حالة من الفوضى المتحكم بها"، لافتًا إلى أن التعامل لم يعد يقتصر على تجنيد العملاء كالسابق، بل بات مباشراً مع ميليشيات، في مشهد يشبه تجربة جيش لحد في جنوب لبنان، وهو نهج سبق أن استخدمته إسرائيل.
وبيّن أن "الصور المتداولة مؤخرًا للمسلحين المنتمين إلى هذه الميليشيات تُعد رسالة واضحة من إسرائيل، تفيد بأنها زوّدتهم بأسلحة جديدة ومتنوعة، في محاولة استعراضية لإيهام هذه المجموعات بأنها تملك سلطة وقوة، لكنها في الواقع لا تملك قبولًا شعبيًا حقيقيًا لدى الفلسطينيين".
ونوّه أبو عطايا إلى أن "هذا الظهور المسلح قد يكون أيضًا رسالة موجهة للفصائل الفلسطينية المسلحة مفادها أن هناك جماعات مسلحة مدعومة ومحمية، وتملك غطاءً وتسليحًا حديثًا، لكن ذلك لا يضمن لها الأمان، كما لا يمكن أن يُمنح لإسرائيل الدور الذي تسعى له في فرض الفوضى".
وذكر أن "خطورة هذه الجماعات تكمن في قدرتها على التغلغل داخل المجتمع الفلسطيني، وتنفيذ عمليات اغتيال وجمع معلومات، والأسوأ أنهم ينتمون لعائلات عريقة، ما يعني أن عدم صدور مواقف اجتماعية صريحة من عائلاتهم قد يؤدي إلى شرخ اجتماعي واسع، ويفكك البنية المجتمعية الفلسطينية من الداخل".
من جهته، قال المحلل السياسي ثابت العمور، إن "إغراق غزة بالسلاح مخطط إسرائيلي قديم، تكرر سابقًا عند توقيع اتفاق أوسلو وقبل قدوم السلطة الفلسطينية، وحدث أيضًا عند انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005، ويتكرر الآن بهدف خلق اقتتال داخلي وفوضى سلاح واستقواء اجتماعي لدى بعض الأطراف".
ورأى لـ"إرم نيوز"، أن "هذا المخطط فشل في كل مرة، لكن هذه المرة تبدو مختلفة، خاصة بعد حرب الإبادة التي استمرت لعامين، حيث تظهر لأول مرة مجموعات فلسطينية تستقوي علنًا بالجيش الإسرائيلي، وتتلقى منه السلاح والدعم".
وذكر المحلل العمور أن "هذه الميليشيات لا علاقة لها بالصراع مع إسرائيل أو بمشروع التحرر الوطني، بل تمثل جزءاً من انقسام سياسي واجتماعي متصاعد داخل القطاع، تستغله إسرائيل لتفكيك المجتمع الفلسطيني وإشغاله بصراعات داخلية".
وبيّن أن "تداعيات انتشار الميليشيات في قطاع غزة خطيرة جدًا، حيث نكون أمام فوضى سلاح تخدم أجندة اسرائيل، ما يعني تصاعد عمليات الاغتيال والسطو والسرقة، وتهديد مباشر لحياة الناس، خاصة في مجتمع قبلي وعشائري مثل غزة".
وأوضح العمور أن "تمدد هذه الظاهرة يعني عمليًا انهيار أي شكل من أشكال الحكم الرسمي أو المؤسساتي، والدخول في حالة من الفوضى الشاملة، وهي بالضبط ما تسعى إليه إسرائيل".
ولفت إلى أن "هذه ظاهرة طارئة ستتلاشى مع استقرار الأوضاع وعودة السلطة الفلسطينية أو التوافق على حكومة وطنية موحدة، ولا قبول شعبياً لهذه الميليشيات، وظهورها المدعوم بالسلاح والمركبات رباعية الدفع محاولة فاشلة لإظهار نفوذ مزيف، لأن الشعب لن يقبل بها، ولا تملك أي رصيد اجتماعي".