قالت وزيرة التنمية الاجتماعية الفلسطينية الدكتورة سماح حمد، إن ما يعيشه قطاع غزة اليوم يتجاوز حدود الأزمة الإنسانية ليصل إلى مستوى الكارثة الشاملة، حيث تحولت الحياة اليومية لمئات الآلاف من المدنيين إلى صراع مستمر من أجل البقاء.
وأوضحت الوزيرة في حوار مع "إرم نيوز" أن غياب مصادر المياه النظيفة، وتفاقم أزمة الغذاء، والانهيار شبه الكامل في المنظومة الصحية، يشكل مزيجاً قاتلاً يهدد الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى بالموت البطيء، في ظل استمرار الحصار والقصف الإسرائيلي الذي لم يترك مجالاً للحياة.
هذا الواقع، بحسب الوزيرة، لا يعكس مجرد تدهور إنساني، بل يكشف عن سياسة ممنهجة تقوم على حرمان السكان من أبسط مقومات البقاء، واستخدام العطش والجوع والمرض كسلاح حرب محظور دولياً، ما يجعل قطاع غزة نموذجاً صارخاً لأبشع صور العقاب الجماعي في التاريخ الحديث.
وتالياً، نص الحوار:
إن حرمان مئات الآلاف من سكان قطاع غزة من الحصول على الحد الأدنى من الماء والغذاء هو عقاب جماعي تمارسه سلطات الاحتلال في حربها على قطاع غزة، حيث يُمارس بشكل ممنهج في مختلف مناطق القطاع شمالاً وجنوباً ووسطاً.
هذا النهج يمثل أداة فتاكة تستهدف المدنيين مباشرة، حيث إن ما يدخل فعلياً عبر المعابر لا يتجاوز 5% من الاحتياجات اليومية الفعلية، وهو ما لا يكفي لتغطية الحد الأدنى من متطلبات الغذاء لسكان القطاع. وعليه، فإن هذا الحرمان المتعمد من الغذاء يُعتبر شكلاً من أشكال استخدام التجويع كسلاح حرب محظور بموجب القانون الدولي الإنساني، ويشكل انتهاكاً صارخاً لالتزامات إسرائيل باعتبارها قوة احتلال.
وتتصاعد أزمة المجاعة التي تضرب المحافظات الجنوبية يوماً بعد يوم، حيث يواصل الوضع الإنساني تدهوره بشكل غير مسبوق. وتُعد الأسر التي تفتقر إلى أفراد أصحاء، ولا سيما الأسر التي تعيلها نساء أو تضم أشخاصاً من ذوي الإعاقة، الأكثر عرضة لسوء التغذية الحاد والمجاعة، إذ تكافح هذه الفئات لإطعام أطفالها وذويها في ظروف بالغة القسوة. وقد بلغ إجمالي الوفيات الناتجة عن المجاعة وسوء التغذية (412) حالة، من بينها (147) طفلًا، بالإضافة إلى (13) حالة وفاة سُجلت في يوم واحد فقط، بينهم 10 أجنة فقدوا حياتهم داخل أرحام أمهاتهم نتيجة الإجهاض والإرهاق، إلى جانب 3 أطفال فارقوا الحياة في الحاضنات بسبب انعدام الرعاية الطبية ونقص التغذية، ويعكس هذا المشهد المأساوي حجم الكارثة الإنسانية المتعمدة التي صنعها الاحتلال الإسرائيلي.
في ظل القصف المتواصل والنقص الحاد في المستلزمات، تعمل الطواقم الطبية في قطاع غزة في ظروف وصفت بأنها أقرب إلى المستحيلة، فالمستشفيات، التي دُمر أو تضرر معظمها بفعل الاستهداف المباشر، باتت عاجزة عن استيعاب الأعداد المتزايدة من الجرحى والمصابين. حيث خرج (22) مستشفى عن الخدمة بشكل كامل، وتعرض (16) مستشفى من أصل (38) لتدمير جزئي، فيما توقف (90) مركز رعاية أولية عن العمل وبقي (61) مركزاً فقط يعمل بشكل جزئي من أصل (157)، واستشهاد أكثر من 1,690 من الكوادر الطبية. ورغم ذلك، يواصل الأطباء والممرضون عملهم على مدار الساعة في أقسام طوارئ مكتظة، حيث يُعالج المصابون على الأرض أو في الممرات، في ظل نفاد الكثير من الأدوية والمستلزمات الأساسية وحتى الوقود اللازم لتشغيل المولدات.
ويضطر الكادر الطبي إلى اعتماد نظام فرز قاس للأولويات (Triage)، فيعطي الأمل لمن يُحتمل إنقاذ حياته، بينما يترك بعض المصابين في حالة حرجة دون علاج كافٍ بسبب محدودية الإمكانات. وفي كثير من الحالات، يلجأ الأطباء إلى عمليات بتر عاجلة بدلاً من محاولات إنقاذ الأطراف، أو يقدمون على إجراءات سريعة وضرورية فقط.
وتفاقمت الأزمة مع تدمير أو توقف الأجهزة الطبية الأساسية مثل أجهزة التصوير المقطعي (CT) والرنين المغناطيسي (MRI) ومحطات الأكسجين؛ ما أدى إلى تدهور الخدمات الصحية إلى درجة باتت معها عاجزة عن إنقاذ مرضى يمكن إنقاذهم في ظروف طبيعية.
وأمام هذا الواقع المأساوي، تلجأ الطواقم الطبية إلى استخدام الموارد بشكل فعال عبر أساليب غير تقليدية تضمن استمرار تقديم الخدمة في حدود الممكن، ومنها:
• الاستفادة القصوى من المواد المتاحة، مثل إعادة استخدام الأدوات القابلة للتعقيم أو إعادة تدوير المستلزمات الطبية بطريقة آمنة.
• الاعتماد على معدات بسيطة وأحياناً أقل فاعلية، مثل اللجوء إلى الإسعافات الأولية التقليدية إذا غابت الأدوات الحديثة.
• الاستعانة بالطواقم التطوعية والميدانية من أطباء وممرضين ومتطوعين يعملون تحت ظروف بالغة القسوة في المستشفيات ومراكز الإسعاف الميدانية.
وترشيد استهلاك المعدات الطبية إلى الحد الأدنى من خلال:
إعادة استخدام الأدوات القابلة للتعقيم بدلاً من الأدوات ذات الاستخدام الواحد، مثل المقصات والملاقط وأحياناً أنابيب التنفس.
تقليل استخدام الأدوات غير الضرورية في الحالات التي يمكن علاجها بوسائل بسيطة.
تقسيم الإمدادات المتوفرة بدقة بين الحالات بحسب الأولوية.
استخدام وسائل تقليدية للعناية بالجروح، مثل الغسل بالماء والملح المعقم أو المطهرات البسيطة.
ورغم هذا المشهد المأساوي، تواصل الطواقم الطبية أداء واجبها في إنقاذ الأرواح بما تبقى لديها من إمكانات محدودة، في صورة تعكس صعوبة استثنائية أمام إحدى أعقد الكوارث الإنسانية والطبية التي يشهدها العالم.
سعة غير كافية لاستيعاب 200 جريح يومياً، خاصة أن معظم الجرحى يعانون من إصابات خطيرة تتطلب رعاية خاصة، ومع استمرار تدفق المصابين والجرحى قد يضطر المستشفى إلى استحداث أسرة إضافية في الممرات وإعادة توزيع المرضى في المساحات المتاحة.
إن عدد المشافي العاملة في غزة والشمال مكتظة ومنها ما يعمل والبعض الآخر خرج عن الخدمة مثل، مشفى الشفاء يعمل لكن إمكانية الوصول صعبة وعدد حالات الطوارئ 335 حالة، بينما مشفى الرنتيسي لا يعمل، وإمكانية الوصول إليه صعبة، أما مشفى القلب والأوعية (الخدمة العامة) يعمل بصعوبة وكذلك مشفى الصحابة.
أما عيادة الشاطئ حكومي (رعاية أولية) تعمل وضررها بالغ وأيضاً إمكانية الوصول إليها صعبة، وعيادة الشاطئ وكالة (رعاية أولية) تعرضت لضرر بالغ وإمكانية الوصول إليها غير ممكنة، كذلك مركز شهداء الشيخ رضوان (رعاية أولية) لا يعمل ولا يمكن الوصول إليه، وبشكل عام باقي المنشآت الصحية تعمل بصعوبة في ظل هذه الظروف.
مع توقف المولدات الكهربائية وشح الأدوية وانهيار المرافق الصحية، يواجه المرضى وأصحاب الحالات الحرجة في قطاع غزة مصيراً مأساوياً. فالانقطاع المتكرر للكهرباء وتوقف المولدات يهددان بشكل مباشر حياة عشرات المرضى في أقسام العناية المركزة وغرف العمليات، وخاصة مرضى القلب والكلى والأورام، إلى جانب الأطفال الخدج الذين يعتمدون على الحاضنات وأجهزة التنفس الصناعي والحوامل في حالات ولادة معقدة. وفي كثير من الحالات، يؤدي توقف هذه الأجهزة إلى الوفاة الفورية، إذ لا تتوفر بدائل تشغيلية في ظل نفاد الوقود اللازم لتشغيل المولدات.
ويتمثل خطر توقف المولدات في عدة جوانب حيوية، أبرزها:
فقدان الدعم الحيوي: المولدات هي المصدر الأساسي لتشغيل أجهزة التنفس الصناعي، الغسيل الكلوي، وأجهزة المراقبة الطبية للقلب والرئة. توقفها يعني حرمان المرضى من الدعم الكهربائي المستمر اللازم لبقائهم على قيد الحياة.
توقف غرف العمليات: معظم العمليات الجراحية تحتاج إلى توفر الطاقة لضمان عمل أجهزة التخدير والأضواء الجراحية، ما يؤدي إلى تأجيل أو إلغاء العمليات، وبالتالي تعريض حياة المصابين بجروح بالغة لخطر أكبر.
تلف الأدوية المخزنة: كثير من الأدوية الحساسة مثل الأنسولين والمضادات الحيوية تحتاج إلى تخزين مبرد، ومع توقف المولدات تتلف هذه الأدوية؛ ما يهدد حياة المرضى الذين يعتمدون عليها.
التداعيات الإنسانية لهذا الواقع كارثية، إذ قد يموت المرضى الذين يعتمدون على الأجهزة الطبية الدقيقة مثل مرضى العناية المركزة أو مرضى القلب الذين يحتاجون لعلاج كهربائي، بينما تتأجل العمليات الجراحية المبرمجة؛ ما يزيد حالات الجرحى خاصة ذوي الإصابات الخطيرة.
كما أن النقص الحاد في الأدوية المنقذة للحياة – حيث إن أكثر من 70% من الأدوية الأساسية غير متوفرة، مثل أدوية السرطان والمضادات الحيوية والمسكنات القوية – جعل آلاف المرضى دون علاج، وأدى إلى تدهور حالاتهم الصحية تدريجياً حتى الموت. وتشير تقارير وزارة الصحة إلى وفاة عشرات المرضى في أقسام العناية والحاضنات نتيجة انقطاع الكهرباء أو نفاد الدواء، فيما يُترك آخرون لمصير مجهول في ظل انهيار المنظومة الصحية.
ويفاقم هذا الواقع انهيار البنية التحتية للمستشفيات والمراكز الصحية التي دُمرت أو خرجت عن الخدمة جزئيًا أو كليًا؛ ما يقلّص فرص تقديم الرعاية الطبية حتى للحالات الطارئة. إن هذا الواقع يعكس إحدى أخطر الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث، حيث تحوّلت المستشفيات من ملاذ المرضى إلى أماكن شهدت فيها الوفيات، في ظل حصار خانق وعدوان متواصل يحرم المدنيين من أبسط حقوقهم في العلاج والبقاء على قيد الحياة.