اعتُبر تعهد رئيس الحكومة التونسية المقال هشام المشيشي، بأنه سيسلم السلطة بطريقة سلمية لأي شخص يختاره الرئيس قيس سعيد خلفا له، مفاجأة بالنسبة لحركة النهضة، بحسب مراقبين.
وجاء إعلان المشيشي رغم أن حركة النهضة دفعته إلى التمسك برئاسة الحكومة، ردا على قرارات الرئيس قيس سعيد الأخيرة؛ ما طرح تساؤلات لدى الرأي العام التونسي حول أسباب "قفز المشيشي من سفينة" حركة النهضة.
وأكد المشيشي، في بيان نشره على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك، أمس الإثنين، أنه "سيتولى تسليم المسؤولية إلى الشخصية التي سيكلفها رئيس الجمهورية برئاسة الحكومة، في كنف سنّة التداول التي دأبت عليها تونس منذ الثورة، وفي احترام للنواميس التي تليق بالدولة".
وجاء بيان المشيشي بعد ساعات قليلة من تصريحات المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة رياض الشعيبي، والتي أكد فيها أن رئيس الحكومة سيتوجه بخطاب للتونسيين، يعبّر فيه عن رفض القرارات التي اتخذها رئيس الدولة قيس سعيّد، ومنها بالخصوص قرار إقالته.
وتواترت أنباء على امتداد يوم أمس، عن تحركات لقيادات من حركة النهضة وضغوطات، لدفع هشام المشيشي، إلى تحدي قرارات سعيّد.
مخاطرة
ورأى المحلل السياسي رياض حيدوري، أن المشيشي، "أدرك استحالة الاستمرار على رأس الحكومة، بعد أن لاقت القرارات الاستثنائية التي اتخذها قيس سعيّد، تأييدا شعبيا واسعا".
وأضاف حيدوري في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن "الاحتجاجات العارمة التي شهدتها البلاد الأحد الماضي، أكدت لرئيس الحكومة المقال هشام المشيشي، أن مطالب رحيله لا تخص المعارضة السياسية فحسب، بل هي مطلب شعبي، وأن تجاهل هذا المطلب مخاطرة غير محمودة العواقب"، حسب تعبيره.
واعتبر حيدوري، أن المشيشي "كان مرتهنا لتوازنات سياسية، ولضغوطات مستمرة من حركة النهضة"، معتقدا أنه "التقط الرسالة الشعبية بخصوص الانعتاق من النهضة، واختار في اللحظة المناسبة القفز من مركبها، حسب تعبيره.
صفعة لحركة النهضة
من جهته، فسر المحلل السياسي هشام الحاجي، ما وصفه بـ"التخلي المفاجئ" للمشيشي، عن حركة النهضة التي كانت من أشد الداعمين له، والرافضة لكل محاولات الإطاحة به، بـ"مسايرته للمزاج الشعبي، والتأييد الدولي لما جرى من أحداث".
وقال الحاجي في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إنه يبدو أن المشيشي قد "امتنع في الساعات الأولى التي أعقبت القرارات الاستثنائية لقيس سعيد، عن الإدلاء بأي موقف، في انتظار جس نبض المواقف الدولية الأولية، والتي فهم منها وجود تأييد حذر لرئيس الدولة، وكذلك تخل واضح عن حركة النهضة؛ ما دفعه إلى اتخاذ ذلك القرار".
ويرى الحاجي، أن قرار المشيشي مثّل صفعة لحركة النهضة التي كانت تراهن عليه لاستمرار التحركات الرافضة لقرارات رئيس الدولة، ومحاولة تسويقها على أنها انقلاب، لكنها وجدت نفسها في عزلة.
تصحيح الخطأ
من جانبه، يرى المحلل السياسي حسن القلعي، أنه "لم يعد لتمسك المشيشي برئاسة الحكومة أي معنى بعد أن أكد عموم الشعب رفضه له، وبعد أن سحب رئيس الدولة منه أدوات الفعل، وترك له فرصة الخروج المشرف برفض الضغوطات التي تمارسها النهضة ضده".
وأضاف القلعي في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن "اختيار المشيشي لرئاسة الحكومة، كان من قبل رئيس الدولة قيس سعيد، غير أنه اصطف إلى جانب أحزاب الأغلبية البرلمانية التي تقودها النهضة بالإكراه، واختار إصلاح خطئه في الوقت المناسب".
وحسب القلعي، فإن "خوف المشيشي من المحاسبة، جعله يسارع إلى تغيير مواقفه، والتخلي عن حركة النهضة التي كانت تدعمه فقط بهدف إطالة معاركها مع رئيس الدولة قيس سعيد".
وقرر الرئيس التونسي قيس سعيّد، الأحد الماضي، تجميد عمل البرلمان، وتعليق حصانة كل النواب، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي على خلفية الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها بضع مدن، وذلك عملا بأحكام الفصل الـ80 من الدستور.
وأعلن سعيّد، عقب اجتماع طارئ عقده في قصر قرطاج مع مسؤولين أمنيين، أنه سيتولى بنفسه السلطة التنفيذية ”بمساعدة حكومة يرأسها رئيس الحكومة ويعينه رئيس الجمهورية“.
وأدى تجاذب مستمر منذ ستة أشهر، بين سعيّد، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، إلى شلل في عمل الحكومة، وفوضى في السلطات العامة.