عرف المشهد البرلماني في تونس تغيرات جذرية مع انطلاق الدورة البرلمانية الجديدة، الجمعة، بعد الانسحابات والاستقالات التي شهدتها عدة كتل برلمانية بشكل أعاد توزيع الأوراق وقد يؤثر على تركيبة اللجان في المرحلة القادمة.
ووفقا لما أعلنه مكتب البرلمان التونسي، يضم البرلمان في دورته الثانية ثماني كتل هي كتلة حركة النهضة وتضم 54 نائبا، والكتلة الديمقراطية التي تضم 38 نائبا، وهي كبرى كتل المعارضة، وكتلة حزب قلب تونس وتضم 30 نائبا، وهي متحالفة مع كتلة حركة النهضة، وكتلة ائتلاف الكرامة التي تضم 18 نائبا، وتمثل الكتل الثلاث نواة الحزام السياسي للحكومة، وكتلة الإصلاح الوطني التي باتت تضم 17 نائبا، وكتلة الحزب الدستوري الحر وتضم 16 نائبا، والكتلة الوطنية التي ارتفع عدد نوابها إلى 16 نائبا بعد أن كانت في حدود 11 نائبا، وكتلة تحيا تونس التي تراجعت إلى 10 نواب فقط.
وبناء على هذا التوزيع يتم تقاسم رئاسات اللجان البرلمانية للسنة النيابية الحالية، ما يعني أن تغيرا جذريا قد تشهده هذه اللجان من حيث التركيبة والتوازنات السياسية داخلها، لا سيما أن نوابا كانوا ينتمون إلى كتل انسحبوا وصاروا مصنفين غير منتمين لكتل (وعددهم 18) إضافة إلى اندثار كتلة المستقبل برمتها التي انصهر عدد من نوابها في كتلة "قلب تونس" وخيّر آخرون البقاء ضمن مجموعة غير المنتمين إلى كتل.
وأبدى متابعون للشأن السياسي في تونس توقعات بأن يشهد البرلمان تغيرات أخرى منتظرة في الخارطة السياسية مع تقدم العمل التشريعي والرقابي للبرلمان، في علاقة بسن قوانين أو تمرير مشاريع أو التصويت على تركيبة أعضاء المحكمة الدستورية، أو بمراقبة أداء الحكومة.
واعتبر المحلل السياسي محمد العلاني أن التغيرات تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية وإلى ترجيح كفة طرف سياسي على آخر، بما له علاقة بتمرير القوانين المهمة، وفق قوله.
وأضاف العلاني في تصريح لـ "إرم نيوز" أن "هذه الحسابات التي تحرك النواب في تنقلاتهم من كتلة إلى أخرى قد تزيد من تعميق الأزمة بين الكتل البرلمانية، أزمة الثقة التي أنتجت مشهدا برلمانيا متشنجا طيلة السنة الأولى من عمله، وأزمة الخطاب التي انعكست على أداء النواب وعلى المناخ البرلماني والمناخ السياسي العام في البلاد، ودفعت إلى حالة من الجمود على المستوى التشريعي وانحراف البرلمان عن مهامه الأساسية"، بحسب تعبيره.
ومن جانبه، علق المحلل السياسي هشام الحاجي بأن "الحراك الذي يعيشه المشهد البرلماني يمثل مقدمة لمزيد من سيطرة حركة النهضة وحلفائها على هذا المشهد، موضحا أن كتلة "النهضة" من بين الكتل القليلة التي لم تخسر أي نائب في التركيبة الجديدة إضافة إلى تعزيز كتلة "قلب تونس" (حليفها الأول في البرلمان) بأربعة نواب آخرين وحفاظ ائتلاف الكرامة (حليفها الإيديولوجي) على نفس عدد المقاعد، ما يضع الحركة في موقع مريح لتشكيل أغلبية برلمانية.
وأضاف الحاجي في تصريح لـ "إرم نيوز" أن "النهضة تسعى إلى تحقيق أعلى درجات الاستفادة من هذا الحراك والتحولات داخل البرلمان طالما أنها لا تمس بوحدة كتلتها ومواقع حلفائها، فهي تراهن على تشتت بقية الكتل، فباستثناء الكتلة الديمقراطية التي تضم التيار الديمقراطي وحركة الشعب والتي آثرت المعارضة (بعد الخروج من حكومة إلياس الفخفاخ)، وباستثناء كتلة الحزب الدستوري الحر، تراجعت مواقع الكتل الأخرى، فاندثرت كتلة المستقبل وضعف موقع كتلة "تحيا تونس" وتشتتت أصوات المعارضة التقليدية (مثل النائب المنجي الرحوي والنائب عدنان الحاجي وغيرهما...) ولم يعد لها وزن يُذكر تقريبا"، بحسب قوله.
واعتبر الحاجي أن هذه التغيرات ستكون محددة لموقع كل طرف في تركيبة المحكمة الدستورية التي يؤمل استكمال حسم تركيبتها في هذه السنة البرلمانية، وستكون محددة أيضا لطبيعة العلاقة مع الحكومة ولتوجهات التصويت على مشاريع القوانين المطروحة على البرلمان.