رأى متابعون للشأن الليبي، أن إعلان حكومة "الوفاق" والبرلمان الليبي، وقف إطلاق النار بشكل شامل، يوجه "ضربة قوية" لمخططات أنقرة المستقبلية في ليبيا، ما من شأنه أن يفضي إلى كبح نفوذها في البلاد.
ترحيب حذر
وعلّقت تركيا على قرار وقف إطلاق النار الصادر بشكل متزامن عن حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج ورئاسة البرلمان الليبي بترحيب حذر، ما يخفي مخاوف لدى الأتراك من تأثير القرار على نفوذهم ومخططاتهم في المرحلة المقبلة في ليبيا، وفق مراقبين.
ولم يخفِ مراقبون في تركيا مخاوفهم من تداعيات الاتفاق، الذي رأوا فيه ضربًا لمصالح تركيا في المتوسط، واعتبروا أن الاتفاق ثمرة جهد أمريكي يسعى إلى تحييد الدور التركي وتحجيمه، وفق تعبيرهم.
ونقلت إذاعة فرنسا الدولية، عن مراقبين أتراك قولهم إنه قد تكون لإعلان وقف إطلاق النار، تداعيات على مصالح تركيا في ليبيا ومنطقة المتوسط، التي باتت ساحة مفتوحة كبر فيها الدور التركي، ما سبب قلقًا لدى خصومها في هذا الفضاء الإستراتيجي خاصة الفرنسيين، والإيطاليين، واليونانيين.
واعتبر متابعون للشأن الليبي، أن الموقف التركي الحذر حيال الترحيب باتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا يعبّر عن حالة قلق لدى أنقرة من هذا الإعلان.
عدم رضا تركي
وقال المحلل السياسي المتخصص في الشأن الليبي مختار اليزيدي، إن"الموقف التركي يعبّر عن عدم رضا عن الخطوة، التي جاءت للحد من التدخل الأجنبي في ليبيا، وتمهيد الطريق نحو حل سياسي يبدأ بتفكيك سلاح الميليشيات وطرد المرتزقة الذين استقدمتهم تركيا، وصياغة دستور وتنظيم انتخابات، وينتهي بتوحيد مؤسسات الدولة ومكوناتها، ونزع أسلحة كل التشكيلات الخارجة عن القانون".
واعتبر في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن"هذا التصور يتعارض مع سياسة تركيا بتدخلها في ليبيا، والتي تقوم على تكريس حالة الفوضى وعدم الاستقرار لتجد مسوغًا لها للتدخل ودعم حليفتها حكومة الوفاق".
وأشار اليزيدي إلى أن"إعلان وقف إطلاق النار وانتهاج حل سلمي ينهيان ذريعة التدخل التركي عسكريًا، لكنهما قد لا يؤثران كثيرًا على الاتفاقات التجارية والاقتصادية التي وقعتها أنقرة مع حكومة الوفاق"، بحسب رأيه.
تحجيم الدور التركي
من جانبه، قال الخبير في الشأن الليبي محمد النالوتي، إن الإعلان ينص على "ترحيل جميع القوات الأجنبية والمرتزقة الموجودة في ليبيا، ما يوجه ضربة قوية لأنقرة، التي دربت واستقطبت تلك الجماعات لتحقيق غايات ومكاسب عسكرية على الأرض واقتصادية من خلال الاتفاقيات، التي أبرمتها مع حكومة الوفاق".
وأضاف في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن"التوجه نحو حل سلمي عادة ما يجعل العمل العسكري والمخابراتي مكشوفًا وأشد صعوبة لذلك تفضل تركيا استمرار حالة الفوضى والاقتتال حتى تتمكن من تمرير أجندتها في ليبيا".
واعتبر النالوتي أن"الاتفاق يساهم بشكل كبير بتحجيم الدور التركي في ليبيا والمنطقة، وسيكون إعلانًا لبداية مرحلة جديدة في تعاطي أنقرة مع الأزمة الليبية".
وأشار إلى أن"الاتفاق في جزء منه يمثل هزيمة للأتراك خاصة فيما يتعلق بنزع سلاح الميليشيات وطرد المرتزقة، ما يعني أن القوى الدولية التي رعت الاتفاق وجهت رسالة إلى تركيا بأنها ربما تجاوزت حدودها في التدخل في الشأن الليبي، وأنه حان الوقت للحد من هذا التدخل، ولجم الرغبة التركية بمزيد من التوسع".
وذكر النالوتي أن"الأطماع التركية في ليبيا سببت كثيرًا من التوتر مع دول وقوى إقليمية فاعلة في المنطقة المتوسطية وداخل حلف شمال الأطلسي، لا سيما فرنسا، ومن ثم بدت الرسالة واضحة وهي إلزام تركيا بحدودها في الملف الليبي والحد من حالة التوتر داخل حلف الناتو".