رغم أن الحجة المعلنة للحجز على أموال الملياردير السوري رامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد، هو "التهرب الضريبي"، غير أن متابعين لهذا الملف يرون أن القضية أبعد من هذه "الذريعة"، خصوصا وأن الثري السوري بنى ثروته، أساسا، بحكم قربه من النظام وقرابته مع الأسد، الذي سهل له امتيازات وتسهيلات ومزايا أتاحت له مراكمة ثروة طائلة عبر مخالفة الكثير من القوانين، إذ تعتبر منظمة الشفافية العالمية سوريا ثاني أكبر دولة فاسدة في العالم.
وفرضت وزارة المالية السورية الحجز الاحتياطي على أموال رجل الأعمال رامي مخلوف؛ بسبب ما قال قرار الحجز بأنه القيام بـ"الاستيراد تهريبا لبضاعة ناجية من الحجز".
وجاء في نص القرار، الذي أصدره وزير المالية السوري، أنه بناء على اقتراح مديرية مكافحة التهريب فإنه تقرر وضع الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة لرامي مخلوف، وأن هذا الحجز جاء "ضمانا لحقوق الخزينة العامة من الرسوم والغرامات المتوجبة في قضية التهريب لمواد تبلغ قيمتها قرابة ملياري ليرة سورية".
ورغم أن قرارات مماثلة شملت عددا من رجال الأعمال السوريين، مثل باهر السعدي، ومحمد خير العمريط، وعلي محمد حمزة.. وسواهم، غير أن متابعين للملف السوري رأوا أن ذلك جاء بمثابة طعم لصيد "الحوت الأكبر"، في إشارة إلى مخلوف.
وسبق هذا القرار، قرارات أخرى، صدرت في الآونة الأخيرة، سعت إلى التضييق على إمبراطورية مخلوف، مثل شركة الاتصالات الخليوية "سيريتل" التي كانت مملوكة لمخلوف، غير أن الحكومة السورية بدأت تستحوذ عليها شيئا فشيئا، بالإضافة إلى جمعية البستان الخيرية، وسواها من الشركات الاقتصادية الكبرى في قطاع العقارات والنفط والسوق الحرة.
ويرى متابعون للملف السوري أن إمبراطورية مخلوف بدأت في الاتساع وبسط النفوذ على نحو لم تعد تطيقه الدائرة المقربة من الأسد، وخصوصا طبقة الضباط الأمنيين والعسكريين الكبار التي يدين لها الرئيس السوري بشار الأسد بالبقاء في منصبه طوال فترات الأزمة السورية التي بلغت عامها التاسع.
ويشير المتابعون إلى أن "السلوك المتعالي" لعائلة مخلوف، والثراء الفاحش الذي تتمتع به هذه العائلة وتتباهى به، فيما يعيش غالبية السوريين الموالين للنظام في وضع اقتصادي بائس، وخصوصا مع التدني الحاد لقيمة الليرة السورية، ما دفع الأوساط المقربة من الأسد إلى تنبيه الأخير لوضع حد لهذا "التمادي"، بهدف إرضاء الموالين الأوفياء لرئيسهم، ورد الجميل للمؤسسة العسكرية والأمنية التي منعت سقوطه.
وكانت صحيفة "فايننشال تايمز" كشفت عن رحلة لنجلي رامي مخلوف، وهما محمد وعلي اللذين سافرا الصيف الماضي إلى منتجع كان الفرنسي، واستمتعا على خلاف المهاجرين السوريين الذين ركبوا بالقوارب المطاطية وغامروا بحياتهم في عرض البحر.
وتقول الصحيفة إن الشقيقين سافرا بطائرة خاصة ثم ركبا سيارات فيراري وانتهت رحلتهما في الجزر السياحية في ماكونوس، ومونتي كارلو، في إشارة من الصحيفة إلى التباين الحاد بين نمط عيش طبقة الأثرياء في سوريا، وعلى رأسهم مخلوف، وبين غالبية المواطنين الذين يعيشون في فقر مدقع.
ولم يعد مخلوف اليوم محصنا كما في الماضي، بحسب المتابعين، فقد نشرت تقارير تتحدث عن إجباره التخلي عن أجزاء من إمبراطوريته في الوقت الذي بدأ فيه بشار الأسد توطيد سلطته على البلد، علما أن مخلوف، نفسه، ساهم عن طريق تمويل ميليشيات في صمود الجيش السوري أمام المعارضة المسلحة.
وكان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، قد أدرجا رامي مخلوف، على قائمة العقوبات؛ بسبب دوره في دعم قوات النظام السوري، وبعض مشروعات الإعمار التي ربطت الدول الغربية المساهمة فيها بالحل السياسي.
ظهور الخلاف
وكان الخلاف بين الأسد ومخلوف قد طفا على السطح عندما طلبت موسكو، قبل أشهر، ملياري دولار من السلطات السورية كجزء من فاتورة التدخل العسكري في سوريا، وحماية النظام، وهو ما دفع الأسد إلى اللجوء لابن خاله رامي مخلوف من أجل سداد المبلغ، لكن الأخير لم يستجب لطلب الأسد وتذرع بعدم وجود سيولة نقدية كافية.
ويرجح متابعون أن الخلاف استفحل بين الجانبين، بعد ورود أنباء عن مرض محمد مخلوف، والد رامي وخال بشار، ذلك أن محمد مخلوف الذي يقيم بشكل شبه دائم في روسيا كان بمثابة الضمانة لمستحقات الأسد في شراكاته المتشعبة والمتعددة مع رامي مخلوف، الذي قد لا يكون موضع ثقة لدى الأسد، إذا ما رحل الأب.
ويملك الأسد والمقربون منه حصصا في عشرات الشركات التي تعود ملكيتها، بصورة علنية لرامي مخلوف، مثل (سيريتل) للاتصالات وشركات استيراد "راماك" وشركة "شام" القابضة، وجمعية البستان، بالإضافة إلى أن الأسد شريك رئيس في ثلاثة مصارف وشركتي تأمين وسواها.
وكشفت "وثائق بنما" المسربة عام 2016، أن ابني خال الأسد، رامي وحافظ مخلوف، كونا ثروتيهما بناء على استغلال الروابط الأسرية لعائلة الأسد، طوال سنوات.
وأضافت الوثائق أنه كان على أي شركة أجنبية تسعى إلى القيام بأعمال تجارية في سورية، اللجوء إلى رامي مخلوف الذي سيطر على القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل النفط والاتصالات السلكية واللاسلكية.
كما أشارت "وثائق بنما" إلى تسهيل العميد حافظ مخلوف الضابط في الاستخبارات السورية، صفقات أخيه رامي وتقوية نفوذه والقضاء على منافسيه.
ويرى متابعون للملف السوري أن الأسد، ومستشاريه، بدأوا يستشعرون الخطر المحدق بهم من مخلوف، فكان لا بد من "قصقصة" جناحه، ذلك أن سوريا التي توصف بعرين الأسد، لا تحتمل تعاظم إمبراطورية اقتصادية موازية، قد تجلب "صداعا" لسلطة يحركها الحس الأمني الذي يداهم الخطر قبل وقوعه.