قد يخرج البعض من وجبة مشبعة وهم يشعرون براحة ورضا، بينما يجد آخرون أنفسهم فجأة أمام موجة من القلق أو الانفعال أو حتى الحزن بلا سبب واضح.
هذه التقلبات المزاجية التي تعقب الطعام ليست دائمًا نتيجة التعب أو الضغط النفسي، بل قد تحمل وراءها إشارة خفية إلى نقص غذائي أساسي يؤثر مباشرة في كيمياء الدماغ.
توضح الدكتورة يكاتيرينا ديميانوفسكايا، أنّ من بين أهم العناصر التي قد تقف خلف هذه الظاهرة فيتامين B6 والمغنيسيوم، إذ يلعبان دورًا حاسمًا في عملية التمثيل الغذائي وتنظيم النشاط العصبي.
وتشير إلى أنّ نقصهما قد لا ينعكس فقط على المزاج، بل يظهر أيضًا في صورة تقلصات عضلية، أرق، وأعراض جسدية أخرى.
بحسب الطبيبة، يعمل فيتامين B6 كمفتاح لتحويل الحمض الأميني التربتوفان إلى سيروتونين، وهو الناقل العصبي المعروف بـ"هرمون السعادة".
عند غياب الكمية الكافية من هذا الفيتامين، يتعطل إنتاج السيروتونين، ما يمهّد الطريق لحالة من عدم الاستقرار العاطفي، قد تتجلى في سرعة انفعال، وحزن غير مبرر، أو لامبالاة مفاجئة.
أما المغنيسيوم، فيؤدي وظيفة لا تقل أهمية، إذ يسهم في تنظيم عمل الجهاز العصبي عبر تقليل استثارة الخلايا العصبية. وعندما تكون مخازنه في الجسم منخفضة، يصبح الجهاز العصبي أكثر عرضة للتوتر وردود الفعل الحادة.
وتضيف ديميانوفسكايا أنّ لحظة تناول الطعام تحفّز الجسم على تشغيل عمليات الأيض بكثافة، وهو ما يكشف بسرعة عن أي نقص في هذه العناصر. فإذا كانت الاحتياطات من B6 أو المغنيسيوم شبه مستنفدة، قد يظهر أثر ذلك فورًا في صورة تغيّر حاد بالمزاج.
هذه المعطيات، وفق الاختصاصيين، تؤكد أنّ المزاج بعد الوجبات ليس مجرد انعكاس نفسي للحظة الشبع أو التعب، بل هو مرآة لميزان العناصر الدقيقة في الجسم، وأن تزويد الجسم بحاجته اليومية من هذه المغذيات قد يكون مفتاحًا للحفاظ على استقرار العاطفة وهدوء الأعصاب.