تعود هواية الحياكة، التي لطالما ارتبطت بكبار السن، لتصبح شائعة من جديد بين جيل "زد"، لكن فوائدها تتجاوز الحنين إلى الماضي؛ إذ تشير أبحاث علم الأعصاب إلى أن الأنشطة اليدوية مثل الحياكة يمكن أن تسهم في الحفاظ على صحة الدماغ وتحسينها، من خلال تحفيز الذاكرة والانتباه والوظائف الحركية وتنظيم المشاعر.
وتُظهر الدراسات أن الحياكة تجمع بين التنسيق الحركي الدقيق والتخطيط واستخدام اليدين بشكل متناوب ومنتظم، مما ينشّط أنظمة متعددة في الدماغ في وقت واحد. ويؤكد اختصاصي الأعصاب في جامعة هارفارد، الدكتور ألفارو باسكوال-ليون، أن هذا التحفيز الثنائي يساعد على توازن الدوبامين في الدماغ، مما يعزز التركيز والمزاج، وقد يسهم في تقليل تدهور القدرات الإدراكية المرتبط بالتقدم في العمر. وعلى عكس الاندفاع السريع في الدوبامين الناتج عن تصفح وسائل التواصل أو تناول السكر، فإن الحياكة توفّر مكافأة عصبية بطيئة ومستمرة.
مع ذلك، فإن الفائدة الإدراكية تكمن في تعلم مهارة جديدة؛ فعندما تصبح الحياكة عادة مألوفة، تتضاءل فوائدها الدماغية. ويشير باسكوال-ليون إلى أهمية مواجهة الدماغ بتحديات جديدة باستمرار من أجل تعزيز مرونته العصبية.
كما أن الهوايات اليدوية، مثل الترقيع وصناعة الفخار أو النحت على الخشب، خاصةً تلك التي تتطلب خطوات متسلسلة، تدعم الشيخوخة الصحية. وتوضح خبيرة الشيخوخة لاكلين أيشنبرغر أن هذه الهوايات تشكّل نوعًا من "التمارين الذهنية"، وهي مهمة لمكافحة التدهور العقلي المبكر. ولا تقتصر فوائدها على تحفيز الدماغ فقط، بل تقلل أيضًا من التوتر وتُعزّز الشعور بالارتباط العاطفي، خاصة عند ممارستها ضمن مجموعات.
ورغم الاعتماد المتزايد على التطبيقات الذكية لتدريب الدماغ، يرى الخبراء أن الهوايات التقليدية قد تكون أكثر فاعلية؛ لأنها توفر تواصلًا اجتماعيًا وتحفيزًا مستمرًا. وتُظهر الأبحاث أنه حتى مرضى باركنسون استفادوا من الأنشطة الإبداعية في تحسين الذاكرة والمهارات اليدوية والمزاج.
