logo
بيئة ومناخ

خبير بيئي: العراق رهينة جيرانه مائيا وتغيرات المناخ فتكت بالتنوع الحيوي

خبير بيئي: العراق رهينة جيرانه مائيا وتغيرات المناخ فتكت بالتنوع الحيوي
انخفاض منسوب نهر الفرات وانحسار المياهالمصدر: (أ ف ب)
09 مايو 2025، 5:39 ص

أكد الخبير والباحث في مجال البيئة والمناخ، خالد سليمان أن العراق يُعد من أكثر الدول هشاشةً أمام التغير المناخي، ليس بسبب طبيعة مناخه، وإنما نتيجة تراكم أزمات الحروب والصراعات وتهميش البيئة في السياسات العامة.

وأوضح سليمان، في حوار مع "إرم نيوز" أن تغييب التشريعات البيئية، وفقدان التخطيط المستدام، إضافة إلى سياسات دول الجوار المائية، فاقمت من معاناة العراق، خاصة في المناطق الريفية والأهوار، التي تشهد موجات نزوح وموتاً بطيئاً للتنوع الحيوي.

وتالياً نص الحوار:

ما الذي يجعل أزمة المناخ في العراق مختلفة عن سواها في المنطقة؟ ولماذا يُصنّف العراق ضمن أكثر 5 دول تضرراً عالمياً؟

مناخ العراق لا يختلف كثيراً عن مناخ دول الجوار مثل إيران وسوريا وتركيا، لأننا جميعاً ضمن نطاق مناخي واحد، لكن ما يجعل العراق من الدول الأكثر هشاشة أمام التغير المناخي هو غياب السياسات البيئية الفاعلة، فقد مرّ البلد بحروب وصراعات أضعفت البنى التحتية، وعطّلت مشاريع البيئة، وغيّبت القوانين اللازمة للتعامل مع التغيرات المناخية، كما أن التوسع العمراني على حساب الزراعة، وزيادة عدد السكان، واعتماد الاقتصاد بالكامل على النفط، زادت من هشاشة الوضع.

العراق يقع في منطقة تعاني أساساً من فقر في المياه العذبة، إذ يعيش فيها 6% من سكان العالم لكنها لا تملك سوى 1% من المياه العذبة العالمية، كل هذه العوامل مجتمعة جعلت العراق غير قادر على التكيّف مع ظاهرة التغير المناخي، التي وإن كانت عالمية، إلا أن أثرها يظهر بشكل أكبر في الدول ذات الجاهزية الضعيفة مثل العراق.

كيف أثّر التغير المناخي وتراجع الإيرادات المائية على نمط حياة المزارعين ومربي الماشية في جنوب العراق، خصوصاً في مناطق الأهوار؟

التغير المناخي أدى إلى تراجع كبير في معدلات هطول الأمطار، وهذا انعكس بشكل مباشر على الزراعة المعتمدة على الأمطار، خاصة في غرب العراق، أما في الجنوب، فتدهور الوضع بسبب انخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات، والاعتماد المفرط عليهما دون إدارة فعّالة، مناطق الأهوار، التي كانت تعتمد على المياه المتدفقة من هذين النهرين، واجهت نقصاً حاداً أدّى إلى انهيار الاقتصاد المحلي المبني على تربية الجواميس، وزراعة القصب، وصناعات تقليدية أخرى.

كما أن استخدام دول مثل تركيا وإيران للمياه كورقة ضغط سياسي على العراق زاد من تعقيد الأزمة، وهذه التأثيرات لم تُواجَه بسياسات بيئية فاعلة داخل العراق، فالقوانين لا تزال قديمة وغير قابلة للتطبيق، ولا توجد تشريعات حديثة تمكّن المجتمعات المحلية من التكيف مع هذه التحولات المناخية العميقة.

ما حجم الضرر الذي لحق بالثروة الحيوانية، مثل الجواميس، نتيجة الجفاف وغياب المراعي وارتفاع أسعار الأعلاف؟

الضرر كبير جداً، خاصة في مناطق الأهوار التي فقدت مقومات الحياة الأساسية، فالكثير من السكان المحليين هجروا مناطقهم بسبب الجفاف وغياب الدعم الحكومي، وأيضاً لارتفاع أسعار الأعلاف بشكل غير مسبوق، إذ تشير بعض التقديرات إلى نزوح أكثر من 120 ألف شخص من قرى الأهوار نحو المدن، وهؤلاء يعتمدون أساساً على الزراعة وتربية المواشي، ولا يمتلكون مهناً بديلة.

وفي المدن، يواجهون أعباء اقتصادية مضاعفة، ويجدون أنفسهم بلا دعم ولا تأهيل، خاصة وأن الحكومة لا تملك بيانات محدثة أو موثوقة عن حجم الضرر، وهو ما يزيد من صعوبة التعامل مع الأزمة، وهذه الهجرة المناخية لا تُحسب فقط من زاوية بيئية، بل هي أزمة اقتصادية واجتماعية أيضاً، وقد تقود إلى تفاقم الفقر والبطالة في المدن المستقبِلة للنازحين.

إلى أي مدى ساهمت سياسات دول الجوار، خصوصاً بناء السدود في تركيا وإيران، في تعقيد أزمة المياه العراقية؟

أكثر من 70% من الموارد المائية في العراق تأتي من خارج حدوده، وتحديداً من تركيا وإيران، وبناء السدود العملاقة، خصوصاً في تركيا، أثّر بشكل كبير على تدفّق المياه إلى نهري دجلة والفرات، وهما شريان الحياة في العراق.

تركيا لا تلتزم بالاتفاقيات الدولية، ولم توقّع على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 الخاصة بالأنهار الدولية، وبدلاً من النظر إلى النهر كموارد مشتركة، تتصرف به كما لو كان نهرًا وطنيًا.

هذا السلوك أضر بالعراق، الذي يعاني أصلاً من ضعف في إدارة ملف المياه داخليًا، حيث تأثرت الزراعة في الجنوب بشدة، وتراجعت محاصيل أساسية مثل الرز، إضافة إلى انهيار سلاسل غذائية محلية، فسياسات دول الجوار ليست فقط غير متعاونة، بل يُمكن اعتبارها عدوانية في بعض الأحيان، خصوصاً عندما تُستخدم المياه كورقة ضغط سياسي في ملفات إقليمية لا علاقة لها بحقوق الشعوب في المياه.

كيف تقيمون أداء الدولة العراقية في إدارة ملف المياه؟ وهل هناك فجوة بين الخطط المعلنة والتنفيذ الفعلي؟

أداء الدولة العراقية في إدارة الملف يُعد ضعيفًا جدًا، سواء على مستوى التخطيط أو التنفيذ، فهناك غياب واضح للتشريعات البيئية الحديثة، ولا توجد سياسة وطنية واضحة لإدارة الموارد المائية بشكل مستدام، وما زالت الدولة تركّز على النفط كمصدر رئيس للاقتصاد، دون الالتفات إلى أن كل برميل نفط يُنتَج يحتاج إلى ثلاثة براميل من المياه العذبة.

هذا الحال يُظهر كيف أن السياسات النفطية تُضر مباشرةً بالنظام البيئي، كما أن العراق لا يمتلك حتى الآن قانوناً خاصاً بالتغير المناخي، وهذا يُعقّد عملية وضع خطط للتكيّف أو المواجهة.

الفجوة بين ما يُعلَن وما يُنفَّذ واسعة جداً؛ فهناك الكثير من الخطط المعلنة على الورق، لكن غياب التمويل، وافتقاد الكفاءات، وضعف التنسيق بين الوزارات، كلّها عوامل تجعل هذه الخطط غير قابلة للتطبيق.

ما التحديات التي تواجه قطاع الزراعة في العراق وسط التغير المناخي، وما الفرص الممكنة للمعالجة؟

التحديات كبيرة ومتعددة، أولها غياب الدعم الحكومي للمزارعين، وثانيها أن الأساليب الزراعية المعتمدة لا تزال تقليدية وغير فعالة في ظل ندرة المياه، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة، وتقلّص مساحة الأراضي الزراعية، وتكرار موجات الجفاف، كلها عوامل زادت من هشاشة القطاع الزراعي.

كما لم يتم الاستثمار في تطوير أساليب الري أو إدخال تقنيات الزراعة الحديثة، بل على العكس، تُرك المزارع يواجه مصيره بجهوده الشخصية، أما من حيث الفرص، فهناك إمكانات هائلة لتحسين الوضع إذا توفرت الإرادة السياسية، إذ يمكن الاعتماد على تقنيات الزراعة الذكية، وتوفير دعم مباشر للفلاحين، واعتماد آليات لترشيد استخدام المياه في الري، كذلك، يمكن أن تلعب الطاقة المتجددة دورًا في تقليل التكاليف وتحسين الإنتاج.

هل نشهد اليوم موجة نزوح من الريف إلى المدن نتيجة تدهور البيئة الزراعية؟ وما مخاطر ذلك اجتماعياً واقتصادياً؟

نعم، هناك موجة نزوح متصاعدة من الريف إلى المدن، وهي ليست فقط نتيجة للتغير المناخي، بل أيضاً نتيجة لغياب الخدمات الأساسية في القرى مثل التعليم، والصحة، والكهرباء.

الكثير من العوائل، خاصة في مناطق الأهوار والجنوب، هجرت قراها لأنها لم تعد تصلح للسكن أو للزراعة، هذه الهجرة تمثل تحدياً اجتماعياً واقتصادياً كبيراً، لأنها تخلق ضغطاً على المدن، وتزيد البطالة، وتوسّع العشوائيات، وتضعف فرص التعليم والرعاية الصحية للنازحين.

وهذه الهجرة ليست فقط مناخية، بل هي هجرة اقتصادية وبيئية مجتمعة، ويمكن اعتبارها مؤشراً خطيراً على فشل الدولة في إدارة ملف التنمية الريفية، وإذا لم يتم احتواء هذا النزوح عبر مشاريع تنموية وخدمية في الريف، فقد تتحول المدن نفسها إلى مناطق طاردة في المستقبل بسبب شح المياه والضغط السكاني.

س: بعد وضع الأهوار على لائحة التراث العالمي.. إلى أي مدى تواجه هذه المواقع مخاطر كبيرة؟ وكيف ينبغي الاعتناء بها؟

إدراج الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي كان إنجازاً مهماً على المستوى الثقافي، لكنه لم يُترجم إلى حماية بيئية حقيقية على الأرض، الأهوار اليوم تواجه مخاطر الجفاف، واختفاء التنوع البيولوجي، وهجرة سكانها الأصليين الذين كانوا يشكّلون جزءاً من نسيجها التراثي والبيئي.

فعندما تجف المياه وتُهجر القرى، تفقد هذه المناطق قيمتها الثقافية والطبيعية، كما أن الأهوار ليست وحدها في هذا الوضع؛ هناك مواقع أثرية وتاريخية أخرى في العراق مهددة بالزوال بسبب التصحر وغياب السياسات البيئية، وما تحتاجه الأهوار هو إدارة متكاملة تشمل المياه، والمجتمعات المحلية، والغطاء النباتي، والبنية التحتية، إذ لا يكفي أن نُسميها تراثاً عالمياً من دون أن نوفر لها مقومات البقاء.

كيف يمكن توظيف الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية، في التخفيف من آثار التغير المناخي؟

الطاقة المتجددة، وخصوصاً الشمسية، تُمثل فرصة مهمة للعراق لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، والمساهمة في تخفيف آثار التغير المناخي، فالعراق يتمتع بإشعاع شمسي عالٍ على مدار السنة، ويمكنه أن يكون من الدول الرائدة في هذا المجال، لكن يجب ألّا نتعامل مع الطاقة المتجددة كأنها حل سحري يُنهي الأزمة البيئية، إذ لا يكفي أن نركّب ألواحا شمسية ونهمل التربة والمياه والغطاء النباتي.

أخبار ذات علاقة

تعبيرية

الأغنياء يساهمون في تسريع التغير المناخي وتفاقم الكوارث البيئية

 أي مشروع للطاقة المتجددة يجب أن يكون جزءاً من منظومة إدارة بيئية شاملة، تهتم بالحفاظ على التنوع الحيوي، وتدير الموارد الطبيعية بشكل مستدام، يجب إعادة النظر بطريقة استخدام الأراضي، وتوجيه الاستثمارات نحو حلول متكاملة تشمل الزراعة الذكية، وأنظمة الري الحديثة، وإدارة مستدامة للمياه والتربة.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC