بينما كان عمال المناجم في كورنوال يبحثون عن القصدير، المعدن الثمين الذي اشتهرت به المنطقة، صادفوا اكتشافًا غير متوقع يتمثل بممر حجري تحت الأرض، يُعرف محليًا باسم "فوجو".
ولم يُعثر على هذا النوع من الممرات سوى في غرب كورنوال، مما جعل الاكتشاف فريدًا واستثنائيًا، رغم أنه لم يكن هدفهم الأصلي.
وبعد نحو عشرين عامًا، في ستينيات القرن التاسع عشر، تولى عالم الآثار والسياسي دبليو سي بورلاسي مهمة التنقيب في هذا الموقع الغامض.
ومع أن تركيزه انصب على الممر نفسه، لم يدرك أن وراءه قرية تعود إلى العصر الحديدي، هُجرت قبل قرون.
وقد تطلّب الأمر مرور قرن آخر قبل أن يتمكن علماء الآثار من الكشف عن بقايا القرية بأكملها، المحفوظة بشكل ملحوظ تحت الأرض، ما أضاف بعدًا جديدًا لفهم تاريخ كورنوال العريق.
وعندما واصل علماء الآثار التنقيب، عثروا على بقايا منازل حجرية، وقنوات تصريف دائرية، وحفر كانت في السابق أساسات لمنازل خشبية مستديرة اندثرت مع الزمن.
وتعود هذه الاكتشافات إلى قرية تُعرف باسم "كارن إيوني"، وهي إحدى أفضل المستوطنات المحفوظة من العصر الحديدي في بريطانيا.
فقد كشفت الحفريات عن جدران حجرية بارتفاع يصل إلى متر في بعض المواضع، مما يعكس مدى تطور البناء في تلك الحقبة.
وتشير الدلائل الأثرية إلى أن القرية أسست بين عامي 500 و400 قبل الميلاد، حيث سكنها الناس في منازل خشبية، ثم استُبدلت لاحقاً بمنازل حجرية في القرن الأول قبل الميلاد.
واستمر تطور القرية حتى القرنين الثالث والرابع الميلاديين، إذ ظهرت منازل حجرية ذات فناء، لا تزال آثارها باقية حتى اليوم.
ويُرجح أن سكان كارن إيوني كانوا يعتمدون على تربية الأبقار والأغنام والماعز، بالإضافة إلى زراعة الحبوب مثل الشوفان والشعير.
وتدل علامات حدود الحقول المحيطة، التي تبلغ نحو 40 فدانًا، على أن القرية كانت مركزًا زراعيًا متقدّمًا بالنسبة لعصرها، كما يُعتقد أن سكانها شاركوا في تجارة القصدير المحلي، تمامًا كما فعل عمال المناجم الذين أعادوا اكتشاف الموقع بعد قرون.