تتعدد الأعمال الفنية التي تتناول السيرة الذاتية لكوكب الشرق أم كلثوم مثل المسلسل الشهير الذي يحمل اسمها وحقق انتشارا واسعا بمجرد عرضه عام 1999، بطولة الفنانة صابرين، وكذلك فيلم "كوكب الشرق" لفردوس عبد الحميد، إنتاج العام نفسه.
ومن المنتظر عرض فيلم "الست"، الذي تلعب بطولته منى زكي، تجاريا في ديسمبر المقبل بعد الإعلان عن الانتهاء من تصويره بالكامل، إخراج مروان حامد.
ودخل الكاتب المصري المعروف مدحت العدل على خط الاشتباك مع قصة حياة سيدة الغناء العربي من خلال تأليف وإنتاج مسرحية " أم كلثوم..دايبين في صوت الست" المقرر عرضها أكتوبر المقبل.
وبتأمل محتوى الأعمال التي صدرت بالفعل، أو معرفة فحوى ما سيصدر قريبا، تبرز مفارقة كبرى تتمثل في أن هناك العديد من الحقائق الأساسية والوقائع البارزة في حياة أم كلثوم والتي كشفت عنها هي نفسها قبل رحيلها في 3 فبراير 1975، ومع ذلك يتجنبها كُتاب سيرتها الذاتية ويغضون الطرف عنها.
وردت تلك الوقائع بشكل موثق في كتاب "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد" للكاتب الصحفي المصري المعروف محمود عوض، رحل في 2009، والذي صدرت طبعته الأولى عن مؤسسة"أخبار اليوم" الصحفية عام 1980 ويتضمن "اعترافات" غير مسبوقة لسيدة الغناء حول طفولتها ومواقف مؤثرة عاطفيا ونفسيا في مسيرتها.
الكتاب الذي توالت طبعاته في نسخ مختلفة عن دور نشر متعددة حتى اليوم، هو في الأصل عبارة عن حوار صحفي مطول أجراه محمود عوض حين كان شابا موهوبا يتلمس خطواته الأولى عام 1969، بتكليف من رئيس تحرير "أخبار اليوم" آنذاك الكاتب البارز إحسان عبد القدوس والذي نشر الحوار في الصحيفة عبر حلقات مسلسلة قبل أن يصدر لاحقا في كتاب.
من أبرز ما ورد في الكتاب من "اعترافات" لأم كلثوم هو توتر علاقتها بوالدها " إبراهيم" ووجود خلافات حادة بينهما في الرأي في مواقف عديدة، لدرجة أنه وجه إليها ذات مرة "صفعة على الملأ" وهي في بداياتها الأولى، حين شعر أنها أخطأت بحق الجمهور في إحدى الحفلات.
وفي عام 1926 وتحديدا في حفل كازينو "البوسفور"، الذي كان يقع بوسط القاهرة آنذاك، تروي أم كلثوم أنها "كانت لا تزال صبية صغيرة تغني القصائد التراثية، حين أصر الجمهور أن تقدم أغاني خفيفة ذات طابع تجاري من النوع الرائج آنذاك، وتحت ضغط بعض أفراد الجمهور عليها، انفلتت أعصابها وقامت بتوجيه (سباب) لهؤلاء الأفراد".
كما لم تكن علاقة كوكب الشرق في أفضل حال مع شقيقها الأصغر "خالد" الذي صرحت بأنه "كان يتدخل في الكثير من شؤونها الغنائية الخاصة على نحو معطل بحجة أنه (رجل البيت) ويجب أن يقوم بحمايتها.
ومن أبرز ما جاء في الكتاب من اعترافات على لسان "سيدة الغناء العربي"، تورطها في تقديم أغنية هابطة كي تجاري موجة "الهنك والرنك" التي كانت سائدة في العشرينيات من القرن الماضي، ويُقصد بها إثارة اهتمام المستمعين من خلال أداء غنائي يميل للطابع الحسي والكلمات الجريئة.
وقدمت "ثومة" أغنية تبدأ بهذه الجملة الصادمة: " الخلاعة والدلاعة مذهبي"، من كلمات محمد يونس القاضي وألحان أحمد صبري النجريدي، في وقت كانت الأغاني تباع فيه عبر أسطوانات يتم تشغيلها عبر أجهزة "الفونوغراف" بالمنازل.
وسرعان ما شعرت أم كلثوم بالندم والأسف الشديدين، جراء انسياقها وراء نصيحة سيئة ورطتها في موجة "الأغاني الهابطة" وطالبت الشركة الموزعة للأسطوانة بسرعة سحبها من الأسواق.
رفضت الشركة بحجة أن العقد الموقع بينها وبين المطربة الشابة لا يعطي الأخيرة الحق في التقدم بهذا الطلب، فما كان من أم كلثوم إلا أن قامت بسحب النسخ الموجودة بالأسواق على نفقتها الشخصية، فيما يؤكد المؤرخون أن الطلب على الأغنية زاد وتم نسخ العديد منها سرا وتوزيعه بسعر أعلى.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن: لماذا يتجاهل كُتاب السيرة الذاتية لأم كلثوم مثل تلك المواقف رغم ما تنطوي عليه من توثيق؛ إذ وردت على لسان صاحبتها نفسها، فضلا عما تتميز به من ثراء درامي وسبر أغوار مناطق نفسية واجتماعية مثيرة للاهتمام في حياة المطربة الأبرز عربيا؟
هنا تبرز مدرستان في التعامل مع تلك القضية التي تثير انقساما في الرأي، الأولى تؤكد أن حياة أم كوكب الشرق ملك جمهورها وملك التاريخ ويجب طرح تفاصيلها كافة للرأي العام، لاسيما إن كانت موثقة بحثيا وعلميا.
أما المدرسة الأخرى، فترى أنه من غير المحبذ عرض مثل تلك التفاصيل التي قد تنطوي على مفاجآت صادمة لم يعتدها التيار العريض من الجماهير عبر أعمال ذائعة الانتشار كالمسلسل أو الفيلم، وأنه من الأفضل الإبقاء عليها في خانة ضيقة لا تتجاوز الكتب والمقالات.
