رغم غواية وصخب البحر المتوسط الذي لا يبعد سوى دقائق بأمواجه الزرقاء وشواطئه الرملية التي تشبه سجادة عملاقة وثيرة، إلا أن هؤلاء السياح اصطفوا في طابور طويل أمام تجربة أخرى مدهشة عنوانها السحر والتشويق عبر زيارة "متحف العلمين الحربي" الذي يقع في مدينة "العلمين" بالساحل الشمالي بمصر، على بعد 106 كيلومترات من الإسكندرية.
هنا تفاجئك المعدات القتالية والأسلحة الفتاكة بحالتها التي كانت عليها في ساحة المعارك، بفضل أعمال الصيانة المستمرة، وكأنك انتقلت عبر آلة الزمن إلى وقائع مواجهة غيرت مجرى التاريخ قبل أكثر من 80 عاما.
يجسد المتحف بانوراما حية لوقائع "معركة العلمين" الحاسمة في سير معارك الحرب العالمية الثانية، والتي دارت رحاها في الصحراء المصرية بين قوات المحور بقيادة الألماني إرفين روميل وبين قوات الحلفاء بقيادة الإنجليزي برنارد مونتغومري والتي استمرت في الفترة من 23 أكتوبر حتى 4 نوفمبر 1942 وانتهت بانتصار الحلفاء.

ثمة أسرة خليجية قادمة لتوها من البحر، ثلاثيني وزوجته مع 3 أطفال، تعلو وجوههم سمرة حمامات الشمس، حيث تحلق الأطفال منبهرين حول طائرة قتالية بريطانية من طراز "سبيتفاير" والتي ضمنت للإنجليز تفوقا جويا كاسحا على قوات المحور من الألمان والإيطاليين.
يقول رب الأسرة "أبو ناصر": "تجربة ثقافية وتاريخية غاية في المتعة والتشويق، الحرب العالمية الثانية بعتادها ورجالها وأسلحتها أمامنا، شيء لا يصدقه عقل، أخيرا وجدت شيئا مبهرا يُنسي الأطفال ألعاب الموبايل".
يبدأ السحر قبل دخول السائح إلى القاعات الداخلية للمتحف، حيث تتوزع نماذج حقيقية لأدوات القتال في المعركة أبرزها حاملات الجنود، العربات المدرعة، الطائرات، فضلا عن المدفع الألماني الشهير من طراز 88 مم المضاد للطائرات والمدرعات.
ويبلغ التشويق مداه حين يجد السائح نفسه وجها لوجه أمام نماذج حية من دبابات "بانزر" الألمانية، ذائعة الصيت، والتي تغنت الأفلام والمسلسلات الوثائقية العالمية بقوتها وفاعليتها القتالية في أرض المعارك.
تتناثر كل هذه القطع في الحديقة الخارجية للمتحف، العرض المفتوح، كشاهد عيان على حرب ضروس راح ضحيتها ما يقرب من 40 ألفا ما بين قتيل وجريح من الجانبين، ولولا أنه "ممنوع اللمس" لاستسلم السائح لفضول قاتل يغريه بمزيد من الاكتشاف بيديه، بل وربما حاول تمثل الحدث القديم عبر قيادة الطائرة أو توجيه ماسورة المدفع.

بعيدا عن مجريات القتال العنيف أثناء المعركة، يحتوي المتحف على تفاصيل إنسانية بسيطة تخص الجنود المشاركين على نحو يستولي على انتباه السائح ويجعله يدرك أننا أمام بشر لهم أيضا حياتهم وأحلامهم وأشواقهم.
هذا هو السبب في توقف الزوار المتكرر في القاعات الداخلية، لاسيما "القاعة المشتركة"، أمام أدوات طعام تخص أحد الجنود و"كتاب مقدس" يخص جنديا آخر، فيما تجسد جداريات " قاعة البهو الرئيسي" المشاهد الدامية للحرب من التحام وجها لوجه وقصف بالطيران ونزول إلى المخابئ.
وتتملك السائح مشاعر الهيبة والإجلال هنا وهو يقف أمام غرفتين منفصلتين تمثل إحداهما القائد الألماني الشهير روميل الملقب بـ "ثعلب الصحراء" والأخرى تخص غريمه القائد الإنجليزي مونتغومري، وتحتويان على مقتنيات كل منهما من ملابس عسكرية ومعاطف وقلادات ونياشين.
وتعرض القاعات الأخرى خرائط الحرب وبياناتها الإستراتيجية باللغات العربية والإنجليزية والألمانية والإيطالية، فضلا عن مجسمات للجنود والأسلحة والزخائر وتشكيلات القوات وخطط الدفاع والهجوم في ساحات شمال أفريقيا ككل.

بعد الانتهاء من جولة ساحرة تأخذ الألباب والعودة من السفر عبر التاريخ، يجد السائح نفسه في حاجة ماسة إلى استراحة ترفيهية حتى يتأكد أنه عاد مجددا إلى أرض الواقع في 2025.
تتناثر العائلات في عدد من المطاعم والكافيهات المحيطة بالمتحف للاستمتاع بمذاق حلوى "الفريسكا" أو التهام ما لذ وطاب من لحوم "المندي" على الطريقة البدوية والتي تتشتهر بها قبائل محافظة مطروح التي تنتشر في المنطقة.