يعيش المغرب هذه الأيام على وقع سرديات مشوّقة وملهمة يرويها حكاؤون من مختلف قارات العالم، جاؤوا لمشاركة ما توارثوه من قصص ضمن فعاليات مهرجان "مغرب الحكايات"، الذي يهدف إلى صون وتوثيق التراث الشفهي.
المهرجان، الذي تنظمه الأكاديمية الدولية للتراث اللامادي، يقام في دورته الثانية والعشرين خلال الفترة من 6 إلى 13 يوليو الجاري، تحت شعار: "حكايتك ماء.. اروِها ترويك".
وقالت مديرة المهرجان نجيمة طاي طاي غزالي، إن المهرجان يسعى إلى "إعادة الاعتبار للكنوز البشرية، وبصفة خاصة الرواة الذين نراهم حاضرين في فن الحلقة المغربي، خصوصًا أن الساحات لا تزال حية يملؤها رواة يمارسون هذا الفن"، بحسب "رويترز".
ويُعد فن "الحلقة" جزءًا أصيلًا من التراث الشفهي اللامادي في المغرب، حيث يقدّم الحكواتيون حكايات تراثية وخيالية في ساحات المدن العتيقة، وأشهرها ساحة جامع الفنا في مراكش، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لدى اليونسكو.
وأضافت نجيمة، التي شغلت في السابق منصب وزيرة التعليم غير النظامي ومحاربة الأمية، وهي أيضًا أكاديمية متخصصة في التراث الشفهي، أن من بين أهداف المهرجان "تمرير التراث للأجيال الصاعدة، ودفعهم للتصالح مع موروثهم وهويتهم، وتشجيعهم على توثيقه ونشره وتسجيله حتى لا يندثر".
وأشارت إلى أن هذا التراث مهدد بالزوال، خاصة مع الثورة التكنولوجية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، مما ضاعف الجهود المبذولة لحمايته.
وأوضحت: "نقيم دورات تكوينية على مدار العام للرواة المحترفين، المعروفين باسم الحلايقية، إضافة إلى شباب مهتمين بدخول هذا العالم، وعدد من الفنانين المتقنين لفن الحكي".
وقد منحت منظمة اليونسكو مهرجان "مغرب الحكايات" صفة "أفضل الممارسات لصون التراث اللامادي".
وتابعت غزالي: "أصبح لدينا عدد من الرواة نطلق عليهم لقب شيوخ الكلام، وهم يحملون صفة سفراء الحكاية، ونتعاون مع وزارة الثقافة بشكل حثيث لاسترجاع فن السرد الحكائي، سواء داخل الحلقات الشعبية أو في الفضاءات الأكاديمية".
وشهد المهرجان، مساء الأربعاء، احتفاءً خاصًا بشخصية "الكرّاب" المغربي، وهو ساقي الماء الشعبي في الثقافة المحلية، الذي لا يزال يجوب الأسواق والأماكن العامة بلباسه التقليدي المزركش وناقوسه المميز، ليسقي العطشى بأسلوب عفوي يعبّر عن الكرم والبساطة.
وقال القائمون على المهرجان إن شخصية الكرّاب تمثل "ذاكرة شعبية شاهدة على علاقة الإنسان بالماء في الثقافة المغربية، وتكريمه يُبرز كونه جزءًا لا يتجزأ من هوية الحكاية والمشهد الثقافي الشعبي المغربي".
وتحل دولة بنما ضيف شرف على هذه الدورة من المهرجان، "نظرًا لما تزخر به من تقاليد شفوية غنية، وذاكرة شعبية متجذرة في ثقافة الماء والغابات والتنوع البيئي".
وكرّم المهرجان سفيرة بنما في المغرب إيسبيث كييل مورسيا، التي قالت إن احتفاء هذه الدورة بالماء يستحضر في الذاكرة قناة بنما والأنهار التي تشكل شريان الحياة في بلادها.
ويشمل برنامج المهرجان سهرات متنوعة تلقى إقبالًا جماهيريًا واسعًا، من بينها سهرة للفنانة المغربية نبيلة معن، المعروفة بإعادة توزيع الأغاني المغربية التراثية بأسلوب إبداعي معاصر.