في تونس العاصمة، يؤدي يومياً محمد البالغ من العمر 64 عاماً صلاته في جامع الزيتونة المعمور، فيما يقضي بقية الوقت في "زاوية سيدي إبراهيم الرياحي" في قلب المدينة العتيقة لأداء بعض الأذكار والأناشيد الدينية.
ويقول محمد لـ "إرم نيوز" إنه: "مع مرور الوقت أصبحت أخشى على دور الزوايا والمقامات الدينية التي كانت تحتل مكانة هامة في حياة التونسيين قبل عقود لكن الآن تم الطعن في دورها وأصبح الشباب غير مهتم بها، بعكس ما كان سائدا".
وأوضح أن "الزوايا والمقامات تقصدها المرأة التي ليس لديها أطفال، كما الناس التي تعاني من مشكلات، لكن مع الوقت تراجع الإيمان بهذا الدور وأدى الانشغال بالأمور الحياتية إلى تجاوزها".
وقبل سنوات أحصت السلطات 1278 زاوية دينية في كافة أنحاء البلاد.
وعادة ما يتم "التبرك" بما يعتبرهم التونسيون "أولياء الله الصالحين"، حيث يتم إقامة كرنفالات شعبية لهؤلاء في العديد من المدن والتي تعرف محلياً بالـ"الزردة".
وبعد ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011 التي أسقطت نظام الرئيس زين العابدين بن علي، تعرضت العديد من الزوايا إلى الحرق من قبل متشددين ما أثار جدلا حول مستقبلها ودورها الذي أخذ في التراجع.
ويرى رواد وقادة الطرق الصوفية في تونس أن الزوايا والمقامات خاضت بدورها معركة ضد الفكر المتشدد خاصة في السنوات الأولى للثورة التي عرفت ترحيلاً كبيرا للتونسيين نحو بؤر القتال مثل ليبيا وسوريا.
وقال رئيس اتحاد الصوفية المغاربي محمد عمران، إن "ما لا يقل عن 94 زاوية دينية تعرضت للحرق من قبل متشددين".
وأضاف عمران في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "المتشددين حاولوا بعد 2011 محو كل ما يتعلق بهويتنا بالاعتداء على المقامات والزوايا، لكننا خضنا معهم مواجهة لدحر هذا الفكر المتطرف الذي يتبناه هؤلاء".
وأقر بأن هناك "تراجعا لدور الزوايا يمكن تفسيره بأسباب عدة، من أبرزها أن المستعمر في السابق عمل على طمس هذه الزوايا والمقامات الدينية التي لا يقتصر دورها فحسب على تحفيظ القرآن، بل تؤدي أدوارا اجتماعية وتربوية مثل إطعام من يقصدها والفقراء وأيضا تعليم الفقه وغير ذلك".
كما لعبت هذه الطرق دورا سياسيا بعد الثورة التونسية، حيث لطالما قصدها السياسيون المتنافسون على السلطة لتعبئة الشارع لصالحهم.
واعتبر المحلل السياسي محمد صالح العبيدي أنه "كان هناك مراهنة على دعم الصوفيين في تونس بعد الثورة، ورأينا ما فعل الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي عندما زار زاوية سيدي بلحسن الشاذلي في 2014، وتعهد بمنع حرق أي زاوية حال وصوله إلى الحكم، لقد أراد طمأنة هؤلاء واستمالتهم".
وأوضح العبيدي لـ "إرم نيوز"، أن "تطور نمط العيش في اعتقادي هو من أهم أسباب تراجع الطرق الصوفية، علاوة على فقدانها للعديد من الموارد المالية والعقارات التي كانت تملكها زوايا ومقامات بعينها، وتم الاستحواذ عليها من قبل السلطات العمومية بعد الاستقلال".
ورأى أن "الطرق الصوفية تتجه إلى الاندثار أيضا، لأن خطابها غير متجدد، وأصبحت عاجزة عن جذب الشباب وقطاعات واسعة من التونسيين".