"بوليتيكو" عن مسؤولين دفاعيين: مسؤولو البنتاغون غاضبون من تغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب
استقطبت مدينة دمشق قبل نحو مئة عام، لاجئين كثرا من عدة دول شهدت نزاعات وحروباً خارجية وأهلية، وقد تجمعوا في حي دمشقي هم أول من أنشأه، لكنه تكنّى بصفة المهاجرين وليس اللاجئين.
ويشكّل حي المهاجرين الذي يقع في شمال مدينة دمشق اليوم، إحدى مناطقها الراقية؛ إذ تقدر أسعار منازله بمئات آلاف الدولارات وفق أحدث أسعار الشقق والمنازل المستقلة في الحي، والتي رصدها "إرم نيوز" في العديد من المكاتب وشركات العقار.
فأحد المنازل المستقلة في حي المهاجرين معروض بسعر 600 ألف دولار، وشقة أخرى معروضة بسعر 850 مليون ليرة سورية (نحو 85 ألف دولار)، بينما تزيد تلك الأسعار وتنقص بحسب موقع ومواصفات المنزل في الحي.
وتعد أسعار منازل حي المهاجرين الأكثر ارتفاعاً مقارنة بسعر الشراء الأول، عندما اشتراها سكانها أرضاً جرداء بلغ سعر المتر المربع منها متليكا واحدا، وهو عملة عثمانية متدنية جداً وتكاد تكون بلا قيمة حتى في فترة شراء تلك الأراضي قبل نحو مئة عام.
وعلى العكس من حي اللاجئين ذاك، نشأت في العصر الحديث لسوريا، وفي حقبة تمتد لعشرات السنين فقط، أحياء كثيرة في مدينة دمشق، اتسمت بكونها عشوائيات بلا وثائق تملّك قانونية ولا أسعار قيّمة، وبكثير من المشاكل الاجتماعية.
لاجئون من دون خيام
يرجع الفضل في مكانة حي المهاجرين لمجموعة عوامل بينها توجه كثير من الدمشقيين للسكن في الحي مع اللاجئين الجدد، وقد سكن الجميع في منازل عمّروها وفق قدرتهم دون نصب خيام كما يحدث دائماً مع تجمعات اللاجئين في بداياتها.
كما أسهم جرّ مياه الفيجة المعروفة بنقائها وعذوبتها، للحي، في استقطاب مزيد من الدمشقيين بجانب المهاجرين الجدد، ليزيد اتساعه ويمتد للأعلى نحو جبل قاسيون.
ويعود تأسيس الحي إلى مهاجرين من الشركس والأتراك وسكان جزيرة كريت اليونانية بعد أن نزحوا من موطنهم منذ العام 1890 تقريباً من دول البلقان مع ضعف الدولة العثمانية وصولاً للحرب العالمية الأولى وما شهدته تلك الحقبة من معارك واضطرابات وموجات نزوح.
قصر الوالي
يرجع الباحث علي الطنطاوي، في كتابه "دمشق صور من جمالها وعبر من نضالها"، نشأة حي المهاجرين ومكانته فيما بعد إلى والي دمشق العثماني ناظم باشا، وهو آخر وال تركي للمدينة، حيث بنى لنفسه قصراً في سفح جبل قاسيون.
ووفق طنطاوي، يقف الوالي التركي خلف استقطاب المهاجرين وسكان دمشق الأصليين إلى منطقة قصره من خلال عرض أراض واسعة للبيع بسعر متدنٍ جداً في ذلك الزمن، وتوفير الخدمات فيها، وصولاً لمد سكة "الترام" فيما بعد إلى المنطقة.
وأسهم قصر ناظم باشا، في استقطاب موظفين كبار للسكن في الحي، وبينهم الباشكاتب، وهو منصب إداري رفيع في الإدارة العثمانية، ولاتزال منطقة منزل ذلك الموظف الذي سكن الحي، تحمل الاسم ذاته حتى اليوم.
وبلغت مكانة الحي ذروتها عندما اختاره الوالي الدمشقي ليكون مكاناً لاستقبال الإمبراطور الألماني "غليوم الثاني" في زيارته لدمشق عام 1898وماتزال حتى الآن، حيث نصبت مصطبة فيه لاستعراض الجند فيها، ولا تزال المنطقة تحمل اسم "المصطبة" حتى اليوم.
تعايش سكان الحي
يقول الباحث والكاتب السوري، إبراهيم الجبين، إن حي المهاجرين لم يحظ بالاهتمام الكافي في العصر الحديث، ولم يُسلط الضوء على كونه رمزاً للتعايش بين السوريين والمهاجرين.
وأضاف الجبين الذي كان يتحدث في مقابلة تلفزيونية سابقة، أن الحي اكتسب مكانته أيضاً من مكانة سكانه، وبينهم يوسف العظمة، أول وزير حربية سوري في عهد الملك فيصل، والذي قُتل عام 1920 وهو يقاوم دخول جيش الاحتلال الفرنسي لبلاده المستقلة للتو عن الدولة العثمانية.
وبجانب سكان الحي من كبار التجار والموظفين في سنوات تأسيسه الأولى، برز من الحي في العصر الحديث شخصيات علمية وفنية، وبينهم الفنان السوري الراحل نهاد قلعي.
مسلسلات وأفلام شهيرة في حي المهاجرين
كان الحي مكاناً مفضلاً لكثير من مخرجي الأفلام والمسلسلات السورية البارزة كي يصوروا مشاهد أعمالهم فيه بأبنيته المميزة بعمران حمل خصائص جاء بها المهاجرون معهم من بلدانهم الأصلية، وشوارعه التي تميزها أدراج تساعد السكان في الصعود لمنازلهم في حي بني على سفح جبل ويطل على باقي أحياء المدينة العريقة.
مسلسل "عصي الدمع" للمخرج الراحل حاتم علي، وفيلم "نسيم الروح"، للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد، وهو من بطولة بسام كوسا، هما بعض تلك الأعمال الفنية التي وثقت مشاهدها منازل وشوارع حي المهاجرين.
ويتجه حي المهاجرين اليوم، نحو مزيد من الإقبال، حيث يتم فتح طرقات كانت مغلقة لعقود فيه بسبب حواجز أمنية تعود للنظام السابق، ليشهد مزيداً من العمران والتطور بعد أن بدأ بمنزل واحد كما يقول الكاتب صفوح خير في كتابه "مدينة دمشق.. دراسة في جغرافية المدن"، وهو بيت "الداغستاني" نسبة لأول مهاجر سكن المنطقة الجرداء قبل أن تصبح حياً بارزاً.