كشفت حفريات أثرية في موقع "إيست فارم" شرق إنجلترا عن أدلة قد تمثل أقدم استخدام متعمّد للنار من قِبل البشر الأوائل، وذلك قبل نحو 400 ألف عام. وتشير النتائج إلى أن مجموعات من النياندرتال ربما كانت تُشعل النار عمدًا في الموقع، ما يدفع بتاريخ اكتشاف النار وصنعها إلى الوراء بأكثر من 350 ألف سنة.
والاكتشافات التي نشرتها مجلة Nature تضمنت تربة محمرة بسبب الحرارة، وأدوات حجرية من الصوان تعرضت للتشوه بفعل النار، وقطعًا من معدن البيريت (الذي يُعرف بـ"ذهب المغفلين")، وهي مادة يمكن عند طرقها بالصوان أن تُحدث شررًا لإشعال النار.
ويقول عالم الآثار في المتحف البريطاني، نيك آشتون، إن البيريت لم يُعثر عليه في الموقع طوال أكثر من 36 عامًا من العمل الميداني، إلا في المناطق التي احتوت على آثار الحرق، مما يرجّح أنه جُلب خصيصًا لاستخدامه في إشعال النار.
وأظهرت التحاليل المغناطيسية والحرارية للتربة أن النار أُشعلت أكثر من مرة في المكان ذاته، وأن درجات الحرارة بلغت أحيانًا 1300 درجة فهرنهايت. كما عُثر على مركبات كيميائية تُسمى "الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات"، وهي ناتجة عادة عن احتراق الخشب، ما يعزز فرضية وجود موقد متعمّد الاستخدام.

يقع موقع "إيست فارم" قرب قرية بارنهام في مقاطعة سوفولك، وقد اكتُشف قبل أكثر من قرن داخل حفرة لاستخراج الصلصال، فيما بدأت الحفريات الحديثة فيه عام 2013. وتعود الأدوات الحجرية المكتشفة إلى العصر الحجري القديم الأدنى، حين كانت بريطانيا متصلة بأوروبا عبر "دوغرلاند". ويُرجّح العلماء أن الموقع كان معسكرًا موسميًا استخدمته مجموعات من النياندرتال، وربما أيضًا هومو هايدلبيرغنسيس.

وتؤكد خبيرة النار في العصور القديمة، سِغولين فاندفيلد، أن قوة الدراسة تكمن في جمع الأدلة من مختلف التخصصات، مشيرةً إلى أن تمكن النياندرتال من إشعال النار في تلك الحقبة يعني أن مهارة السيطرة على النار تعود إلى زمن أقدم بكثير مما كان يُعتقد.