نادى السينمائيون في مصر لسنوات طويلة الجهات المعنية لتقديم الدعم وتكريس الاهتمام بملف تصوير الأفلام السينمائية الأجنبية على الأراضي المصرية، لما يحمله من أهمية كبرى تتمثل في كونه مصدر دخل قومي، وبالعملة الصعبة، لا سيما الترويج للمعالم الأثرية والتاريخية والسياحية، خصوصا منطقة الأهرامات التي تعد من أكثر الأماكن طلبًا في تصوير الأفلام الأجنبية، إضافة إلى ما يعنيه ذلك من استقطاب صناع السينما ومشاهير العالم إلى مصر، وما يحمله من دعاية تسويقية كبرى بالمجان.
موجة غضب من السينمائيين
وحسب تقارير إعلامية، فقد أُهدرت عشرات الفرص الذهبية لتصوير الأفلام الأجنبية في مصر على مدار سنوات طويلة ماضية، كانت كفيلة أن تُدر دخلًا قوميًا إلى مصر، على صُعد السياحة، الآثار، تعظيم الاستفادة من وجوه المشاهير في التسويق الثقافي والسياحي، تشغيل الكوادر البشرية المصرية، ما أطلق موجة غضب من السينمائيين في مصر نحو المسؤولين عن هذا الملف المُهدر، مع توجيه الاتهامات للجهات المختصة بملف تصوير الأفلام الأجنبية في مصر، كونهم سببًا في عزوف شركات الإنتاج العالمية عن التصوير في البلاد والاتجاه نحو دول أخرى على رأسها المغرب، التي بنت ديكورات خاصة لمنطقة الأهرامات والمعالم الأثرية المصرية.
فرص ذهبية ضائعة
ومن أبرز الفرص الذهبية الضائعة على مصر في سنوات سابقة، النجم العالمي مورغان فريمان الذي تم رفض تصوير فيلم وثائقي له في شوارع القاهرة من قبل الرقابة على المصنفات الفنية في عام 2015.
والمخرج المصري العالمي محمد دياب الذي أكد في تصريحات سابقة له أنه لم يستطع تصوير المسلسل التلفزيوني الشهير من عالم مارفيل "Moon Knight"، وقال إنه اضطر إلى تصويره في المجر عوضًا عن مصر، ثم إن عمليات التصوير استمرت لستة أشهر بتكلفة إنتاجية قدّرت بـ150 مليون دولار.
والفيلم العالمي الشهير "Gods Of Egypt" الذي تم تصويره في استوديوهات "فوكس" بمدينة سيدني في أستراليا، في مارس من عام 2014، بميزانية 140 مليون دولار، من بطولة جيرارد باتلر، وجيفري راش، ورفوس سيويل، ونيكولاي كوستير والدو وآخرين، للمخرج أليكس بروياس، ومن إنتاج شركة United Motion Pictures.
في المقابل، بدأت مصر تجني ثمار عمل لجنة مصر للأفلام التابعة لمدينة الإنتاج الإعلامي، على مدار 5 سنوات من العمل، بعد أن جرى تصوير عشرات الأفلام الأجنبية الشهيرة بها، بتسهيلات غير مسبوقة، لصناع السينما الأجنبية والمشاهير من حول العالم، وكانت جولة اليوتيوبر العالمي مستر بيست داخل أهرامات الجيزة من أبرز تنسيقات اللجنة في الآونة الأخيرة.
مرحلة جديدة غير مسبوقة
في تواصل "إرم نيوز" مع أحمد سامي بدوي، رئيس لجنة مصر للأفلام، أكد أن مصر تُسطر مرحلة جديدة غير مسبوقة في ملف تصوير الأفلام الأجنبية في مصر، وأشار إلى أنه جرى تصوير ما يزيد على 75 عملًا فنيًا أجنبيًا على مدار الأربعة أعوام الماضية في مصر، متنوعة ما بين الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية.
تدعيمات غير مسبوقة
واستدل بذكر بعض الأمثلة عن الأفلام السينمائية الأجنبية التي جرى تصويرها في مصر على مدار سنوات عمل اللجنة، وقال إنه من أشهرها Inheritance للمخرج الأمريكي نيل بيرجر، والجزء الثاني من الفيلم الهندي khuda Haafiz، و Back to Alexandria للمخرج تامر روجلي وبطولة نادين لبكي، والفيلم الفرنسي Le tresor de kheops.
وأشار إلى أنه من أقوى الأمثلة للأفلام الأجنبية التي جرى تصويره في مصر أخيرًا الفيلم Fountain Of Youth للمخرج جاي ريتشي وبطولة ناتالي بورتمان ونخبة من النجوم.
مضيفاً حول تدعيمات وتسهيلات تصوير فيلم Fountain Of Youth: "تم الاستعانة في تصوير الفيلم بطائرات مروحية من وزارة الدفاع، والقوات الخاصة في وزارة الداخلية، إلى جانب تسهيل نقل المُعدات الثقيلة من الخارج، بمرورها من الجمارك.
كما أشار إلى فاعلية دور اللجنة في تسهيل وتنسيق جولة اليوتيوبر العالمي مستر بيست في أهرامات الجيزة، في شهر سبتمبر من عام 2024 الماضي.
آلية تصوير الأفلام الأجنبية في مصر
وأوضح آلية عمل لجنة مصر للأفلام، مشددًا على فاعلية دورها في التنسيق مع جميع أجهزة الدولة المصرية، وتقديم التسهيلات لصناع الأفلام الأجنبية، لافتًا النظر إلى أن الأمر يتم عن طريق تقديم سيناريو الفيلم، وأماكن التصوير المطلوبة، قائلًا إنه يتم عرض ذلك على لجنة مختصة داخل مصر للأفلام، تضم ممثلين عن كل الجهات المعنية بالموافقات واستخراج التصاريح، إذ يتم انعقاد اجتماع اللجنة عقب أسبوع واحد من تسلم سيناريو العمل، ويجري تنسيق جميع الأمور اللوجستية ويصبح الأمر جاهزًا في غضون 10 أيام فقط.
أرقام وإحصاءات
عن أرقام وإحصاءات الدخل المادي لمصر من تصوير الأعمال الفنية الأجنبية، قال رئيس لجنة مصر للأفلام إن الأمر نسبي يختلف من مشروع فني إلى آخر، مضيفًا: "تختلف العمليات من شركة إنتاجية إلى أخرى، هناك أعمال تدر من 250 إلى 300 مليون جنيه مصري في غضون أسابيع قليلة من عمليتي التحضير والتصوير، وأخرى لا يستغرق تصويرها غير أيام قليلة للغاية، الأمر نسبي من عمل إلى آخر".
ملف مدعوم من جميع أجهزة الدولة
وشدد أحمد سامي بدوي في ختام حديثه على أن ملف التصوير الأجنبي في مصر مدعوم دعماً كبيراً للغاية من جميع أجهزة الدولة المصرية، سواء وزارات الدفاع، الداخلية، السياحة والآثار، البيئة، جميع الجهات التي لها علاقة بالموافقات والتصاريح، مؤكدًا التعاون المشترك بين الجميع في دعم هذا الملف وجعله ناجحًا، وفق تعبيره.
المغرب أكثر البلدان استفادة
ومن جانبه، قال الناقد الفني محمد قناوي في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إن مصر تأخرت في إنشاء لجنة مصر للأفلام، لافتًا إلى أنه كان من المفترض أن تتخذ الجهات المعنية هذه الخطوة قبل عقود طويلة.
كما شدد على أن عوائق تصوير الأفلام الأجنبية في مصر تمثلت في القيود المفروضة سابقًا، وبيروقراطية وفشل بعض الموظفين في إدارة هذا الملف، من وجهة نظره.
وتحدث عن الخلفية التاريخية لعوائق تصوير الأفلام الأجنبية في مصر: "قبل عشرة أعوام، تم تنفيذ نظام يُسمى الشباك الواحد في المركز القومي للسينما على أنه منوط بملف تصوير الأفلام الأجنبية في مصر، بعد مطالبات عدة من قبل السينمائيين، لم يؤد دوره بأي شكل من الأشكال، لا سيما أنه لم ينجح طوال عامين في استقطاب فيلم أجنبي وحيد لتصويره في مصر بسبب عدم المقدرة على إجراء التسهيلات المطلوبة لتسيير عمليات تصوير الأفلام الأجنبية في مصر".
وأوضح أن لجنة مصر للأفلام تم إنشاؤها بعد أن قررت مدينة الإنتاج الإعلامي التصدي للمسألة، وتقدمت بطلب إلى رئاسة مجلس الوزراء قبل خمسة أعوام، بطلب إنشاء اللجنة التي تمت الموافقة عليه، لا سيما أنه تم وضع خطة متميزة لاستقطاب الأفلام الأجنبية للتصوير في مصر، عن طريق الحضور في الأسواق السينمائية العالمية، من ثم طرح التسهيلات وخطط التصوير على المنتجين، ما عزز من استقطاب الأفلام الأجنبية للتصوير في مصر.
وأشار في مفاد حديثه إلى أن المغرب أكثر البلدان العربية تحقيقًا للاستفادة من وراء تصوير الأفلام الأجنبية فيها عوضًا عن مصر في سنوات سابقة، قائلًا إن دخل المغرب كان يتجاوز نصف مليار دولار سنويًا من تصوير الأفلام السينمائية الأجنبية فيها، فضلًا على تبادل الخبرات وتنشيط السياحة، على حد تعبيره.
واختتم حديثه مشيدًا بدور لجنة مصر للأفلام في إدارة ملف تصوير الأفلام الأجنبية في مصر، عن طريق التسهيلات السريعة لصناع السينما من حول العالم، والسعي نحو استقطاب الأفلام السينمائية العالمية للتصوير في مصر، قائلًا إنها من أهم مشروعات مدينة الإنتاج الإعلامي في السنوات الأخيرة.