حالة من الحزن الشديد عمّت الأوساط الفنية لوفاة المخرج البارز داوود عبد السيد الذي قدم عبر مشواره الإبداعي عددًا من أشهر الأفلام التي تعد من علامات الشاشة الكبيرة، والتي تتميز بطرح رؤى فكرية ووجودية حول مصير الإنسان بين التعاسة والشقاء حتى بات يلقب بـ "فيلسوف السينما المصرية".
وعانى عبد السيد من متاعب صحية شديدة في السنوات الأخيرة، تفاقمت مع إصابته باعتلال في الكلى، واضطراره لعمل جلسات غسيل أسبوعيًا حتى وافته المنية اليوم السبت وهو بمنزله.
جمعت أعماله بين رهافة السرد الشاعري والحوار العميق القادر على كشف خبايا النفس الإنسانية، كما في فيلم "أرض الخوف" الذي يجسد فيه أحمد زكي شخصية ضابط شرطة ينتحل شخصية تاجر مخدرات، لكن العمل يطرح تساؤلات عميقة جعلته واحدًا من أيقونات الفن السابع.
ورغم أن فيلم "الكيت كات" جسّد فيه محمود عبد العزيز قصة شخص كفيف في حارة شعبية يتميز بخفة الظل والصراحة التي تصل إلى حد فضح الآخرين، إلا أنه قدمه بشكل مميز للغاية جمع بين الكوميديا والعمق الفلسفي حول الطبيعة الإنسانية.
يُعد أحد رواد "الواقعية الجديدة" حيث نجح في التعبير عن الواقع المصري وتحولاته، لا سيما فيما يتعلق بالفئات المهمشة في المجتمع، وما يصادفها من انكسار أحلام، كما مال أسلوبه إلى استكشاف العوالم الداخلية لأبطاله.
من أشهر أفلامه الأخرى "مواطن ومخبر وحرامي"، و"سارق الفرح"، و"رسائل البحر"، و"قدرات غير عادية"، و"البحث عن سيد مرزوق".
وعانى الراحل في سنواته الأخيرة من عدم القدرة على التأقلم مع متغيرات الواقع السينمائي وعدم حماس المنتجين لعمل فيلم جديد له؛ نتيجة تشدده في معايير القيمة والمعنى والرسالة التي يطرحها العمل، بعيدًا عن حسابات شباك التذاكر أو الإيرادات.
وروى الكاتب الروائي والباحث البارز في علم الاجتماع السياسي، الدكتور عمار علي حسن، موقفًا دالًا في هذا السياق قائلًا: "قابلت الرجل قبل سنوات قليلة في لقاء سياسي، وسألته عن حاله مع السينما، فوجدته حزينًا قانطًا دون حنق أو حقد لأنه لا يجد إنتاجًا لسيناريوهات تحمس لها، وبدا لي وقتها أن مستقبله قد بات خلفه، مع تغير اتجاهات الإنتاج والتوزيع".
وأضاف عمار عبر صفحته بموقع "فيسبوك": "كان داوود عبد السيد لا يقبل أي سيناريو عابر، ولا يخرج أي فيلم لمجرد التواجد على الساحة، أو كسب المال، إنما كان يُحسن الاختيار، ويعمل باقتدار، رحمه الله فقد خسرنا برحيله واحدًا من أهم المخرجين في تاريخ السينما المصرية المديد".