"رويترز": أمريكا لم توافق بعد على أي مساعدات لأفغانستان بعد الزلزال
تقرأ قصيدة لأحد الشعراء الشباب، فتخالُ أن مترجماً ضعيفاً قام بنقلها من الإنكليزية إلى العربية.. الأمر نفسه يتكرر في المسرح والسينما والتشكيل، فالتأثيرات الغربية تبدو واضحة، إلى درجة أصبحت فيها الخصوصية عملة نادرة.
ربما يكون الأمر طبيعياً، بالنسبة للفنون التي لا يملك العرب فيها تاريخاً، لكن ماذا بالنسبة للشعر، وهو ديوان العرب وسجلّ حياتهم وفخرهم؟ لماذا يكتب العربي اليوم قصيدة تحاكي الأدب الغربي، مع أنه يمتلك تاريخاً طويلاً في هذا الفن؟
"سيطرة الترجمات على كتابة الأدباء العرب، دليل خلل فيما يُكتب". هكذا يحسم الأديب محمد عزوز الأمر، ويضيف لـ"إرم نيوز" "لو تمكن الدارس من الوصول إلى ينابيع الثقافة العربية، فلن يحتاج رفد نصه بمصادر أخرى".
لكن المشكلة بالنسبة للشاعر محمد عيسى، لا تتعلق بعدم اطلاع الكاتب على ينابيع الثقافة العربية، بل في غياب تلك المرجعيات أصلاً. يقول عيسى لـ"إرم نيوز" "نحن لا نمتلك مرجعيات حداثوية خاصة بنا، بل إن موروثنا الثقافي مرتبط بالعقائد ولا يُسمح بمغادرته، لهذا حصل التأثر بالثقافة الغربية".
ويشير عيسى، إلى رواد عصر النهضة، كالعقاد وطه حسين، وغيرهم الكثير ممن تأثر بثقافة الغرب وحاولوا استنساخها لكنهم لم ينجحوا. ويضيف"الغريب أن من تأثروا بالثقافة الغربية وقلدوها، ينادون بضرورة الحفاظ على أصول الثقافة العربية. المشكلة تكمن في النظر إلى التراث بشكل قدسي، فهو السبب في عدم قدرتنا على مغادرته".
الشاعر فاتح كلثوم، عاد إلى الجذور التاريخية للمشكلة، في بدايات القرن العشرين، حيث لم يكن هناك خيار أمام الكتاب، سوى الاعتماد على المرجعيات الغربية. ويقول فاتح لـ"إرم نيوز""هناك بعض التجارب التي حاولت تأسيس مرجعيات عربية، من ضمنها حسين مروة والجابري والطيب تيزيني، لكن مرجعياتهم في ذلك، كانت غربية".
ويرى كلثوم، أن عصر التنوير الأوروبي، استطاع تناول جميع العلوم، ولا بد من الاعتماد عليه شئنا أم أبينا. ويضيف "هل يمكن الاعتماد على الجرجاني، في نقد قصيدة نثر حديثة؟ بالطبع لا. لكن المرجعيات الغربية تحل المشكلة، لأن قصيدة النثر نشأت في الغرب".
ويعترف كلثوم بأن العرب استطاعوا تقديم قصيدة نثر عربية متطورة وحديثة، لكن مرجعياتها لم تكن عربية. ويضيف "إذا أردنا مناقشة قصيدة النثر نقدياً، فلا بد من العودة للمرجعيات الأوروبية لأننا لا نمتلك مرجعية نقدية عربية".
ولا يخفي الشاعر كلثوم، تأييده للاطلاع الدائم على الترجمات الغربية، بهدف بناء الجانب المعرفي الذي يمكن أن يبلور لاحقاً خصوصية عربية في هذا الفن أو ذاك. ويوضح "الثقافة الاوروبية كانت مرجعياتها مستمدة من الفكر العربي المنتج في الأندلس، والفكر العربي في الأندلس كانت مرجعياته يونانية. الأوروبيون لم يخجلوا من الاعتراف باعتمادهم على ابن رشد والكندي".
ويذكّر كلثوم بقول الفيلسوف هيغل "لولا كتاب راحة العقل الذي ألفه الكرماني أيام الدولة الفاطمية، لفقدنا الفكر الحقيقي لأفلوطين".
ويرى الشاعر عيسى، أن الاستعارة من الغرب ضرورية، خاصة فيما يخص قصيدة النثر، التي ولدت مع قصيدة "الأرض اليباب" للشاعر الأميركي توماس ستيرنز إليوت "1888-1965"، وكتبها العرب متأخرين، ويضيف "الشعر العربي له أوزان وبحور ومجموعة قواعد تختلف عن قصيدة النثر المستحدثة والمولودة في الغرب، لهذا يبدو طبيعياً التأثر بروادها من الشعراء الغربيين".
لكن الأديب محمد عزوز، يشير إلى رواد عرب وصلوا العالمية في قصيدة النثر، عبر خصوصيتهم العربية، من حيث الأسلوب والصورة والعبارات، مثل الماغوط وأنسي الحاج ومجمل شعراء مجلة "شعر" وغيرهم، ويقول "المشكلة عند شعراء اليوم، أنهم لا يشيرون إلى استفادتهم من الترجمات، وهذا ما يجعل نصوصهم تُتهم بالسرقة من الأدب الأوروبي. الاطلاع على الترجمات ضروري، شرط ألا تحل الترجمات مكان الثقافة العربية".