يشهد قطاع التعليم العالي في سوريا، تغييرات جذرية وإعادة هيكلة شاملة، مهّد لها الرئيس أحمد الشرع، عبر سلسلة من المراسيم الرئاسية الهادفة إلى إصلاح النظام الجامعي، واستيعاب تداعيات السنوات الماضية.
ومن أبرزها، المرسوم رقم 95 الذي سمح بعودة الطلبة المنقطعين عن الدراسة، منذ العام 2011، بسبب الأحداث، إلى جامعاتهم.
كما شمل المرسوم رقم 97 الطلبة الموفدين إلى الخارج، حيث أعفاهم من التبعات المالية في حال قرروا العودة إلى البلاد.
وجاء المرسوم رقم 98 ليمنح عامًا دراسيًا استثنائيًا للطلبة المستنفدين فرص النجاح، إضافة إلى قرارات أخرى من بينها تغيير اسم "جامعة البعث" في حمص إلى "جامعة حمص".
وفي تطور لافت، تأسس قبل أيام أول مجلس للتعليم العالي بعد سقوط النظام، وعقد اجتماعه الأول برئاسة وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور مروان الحلبي، الذي استعرض أبرز القرارات التي اتخذها المجلس في مقابلة مع قناة "الإخبارية" السورية.
وأوضح الدكتور الحلبي أن المجلس قرر إلغاء الفحص الوطني كشرط للتخرج، باستثناء الكليات الطبية التي ما زال يُشترط فيها لاختصاصات الدراسات العليا.
وأشار إلى أن الفحص الوطني تسبب، سابقًا، بتعليق تخرج آلاف الطلبة، وحرَمهم من دخول سوق العمل، خاصة في تخصصات: الصيدلة، وطب الأسنان، والهندسة المعمارية.
بالتوازي مع هذا القرار، تم تفعيل "الهيئة الوطنية للجودة والاعتمادية"، لضبط جودة التعليم، وإجراء الفحوصات السريرية للأطباء.
وأكد الحلبي أن "السنة التحضيرية" للقبول في الكليات الطبية جاءت نتيجة خلل كبير في امتحانات الشهادة الثانوية، لافتًا إلى أن 50 طالبًا حصلوا في إحدى السنوات على العلامة التامة. وأوضح أنه بعد ضبط آلية الامتحانات، لم يعد هناك مبرر لاستمرار السنة التحضيرية.
شمل الإصلاح أيضًا التعليم المفتوح، حيث قرر مجلس التعليم العالي اعتماد شهاداته بشكل رسمي، سواء كانت صادرة عن جامعات داخلية أو خارجية معترف بها.
وأتاح المجلس لطلبة الخارج نقل دراستهم إلى الجامعات السورية إذا توافر نفس التخصص، تمهيدًا لدمج التعليم المفتوح مع التعليم النظامي في المراحل المقبلة.
وأعاد المجلس تفعيل برامج الدكتوراة بعد سنوات من التجميد، وذلك عقب مراجعة رسائل الدكتوراة، وتصحيح مساراتها.
وأكد الوزير أن من شروط التقدم للدكتوراة، الآن، النشر الأكاديمي الخارجي في مجلات علمية مفهرسة، لاسيما في كليات العلوم الإنسانية، معتبرًا أن طلبة هذه البرامج باحثون في المقام الأول.
وأوضح أن الطلبة المسجلين سابقًا يمكنهم استئناف دراستهم.
أعلن المجلس قرارات لدمج بعض الجامعات، منها دمج "جامعة حلب في المناطق المحررة" مع جامعة حلب الأم، و"جامعة حلب الشهباء" مع جامعة إدلب، بهدف توحيد المرجعيات، وتقليل الفروع، ما يُسهّل العملية التعليمية، ويوفر الموارد.
وأشار الحلبي إلى أن قرارًا قريبًا سيصدر لتخفيض رسوم التسجيل والدراسات العليا، بهدف جعلها شبه مجانية في العام الدراسي المقبل.
وأكد اعتماد التحول الرقمي الكامل في مفاضلات الدراسات العليا، مع معالجة الأخطاء بناء على اعتراضات الطلبة والاتصالات المباشرة معهم.
وبحسب الحلبي، تم قبول 3600 طالب في برامج الدراسات العليا (باستثناء الكليات الطبية)، وهي نسبة جيدة، على حد قوله. وتم توحيد المفاضلة الطبية مع مفاضلة وزارة الصحة، بعد أن كان الطالب يحجز مقعدين بالتقديم لكل منهما على حدة.
أوضح الوزير أن نحو 5000 طالب تم قبولهم في المفاضلة الطبية، بينما لم يتم قبول آخرين بسبب اختيارهم لاختصاصات غير مرغوبة.
ولفت إلى أن التركيز انصبّ على تخصصات يحتاجها القطاع الصحي السوري، مثل: الأشعة، والتخدير، والمعالجة الشعاعية، والطب النووي، والتشريح المرضي، وطب الأسرة، والطب الشرعي.
وأشار إلى وجود قرابة 1000 فرصة شاغرة في الدراسات العليا، و160 فرصة في البرامج الفرعية بعد الماجستير، و1200 مقعد متاح في وزارة الصحة. وكشف أن الوزارة ستقترح، قريبًا، مفاضلة ثانية لملء هذه الشواغر، بمجموع نحو 2000 فرصة إضافية.
تناولت قرارات المجلس أيضًا مسألة "النقل المتماثل"، حيث سيتمكن نحو 40 ألف طالب سوري يدرسون في تركيا والدول المجاورة من الانتقال إلى الجامعات الحكومية السورية، وفقًا لمعدلاتهم في الثانوية العامة؛ وفي الكليات الطبية، اشترط القرار تحقيق معدل لا يقل عن 80% للانتقال إلى جامعة طبية خاصة.
أما الأطباء السوريون الحاصلون على شهاداتهم من الخارج، فسيُسمح لهم بالعودة لمزاولة المهنة بعد تعديل الشهادات، من خلال مديرية مختصة ستُخفّف من عبء المراجعات والإجراءات.
وفي خطوة تهدف إلى تثبيت أوضاع الطلاب، قرر المجلس توطين الطلبة المستضافين من جامعة إدلب في الجامعات التي يدرسون بها مثل جامعة دمشق.
وأعلن عن استحداث كليتين جديدتين للشريعة في محافظتي حماة وحمص، إلى جانب قرار يقضي بتحرير وتصديق جميع الشهادات المحتجزة، لا سيما الصادرة عن الجامعات الخاصة.
وفي ختام حديثه، شدد الوزير مروان الحلبي على أن سلسلة من القرارات التنفيذية ستصدر، قريبًا، لتوضيح تفاصيل ما تم اتخاذه من إصلاحات.
وأكد أن مجلس التعليم العالي سيواصل اجتماعاته الدورية، سعيًا نحو النهوض بمنظومة التعليم الجامعي في سوريا، وتجاوز تداعيات المرحلة السابقة.