يحظى السوق المصري في وسط إسطنبول بشعبية كبيرة لدى زوار المدينة الكثر على مدار العام، وقد جمع عناصر جذب سياحية قلما تتوفر في مكان أو موقع واحد.
إذ يقع في الضفة الأوروبية لإسطنبول، مُطلًّا على مضيق البوسفور من وسط منطقة "إمينونو" التاريخية والسياحية التي تزدحم فيها العبارات البحرية وبائعو السمك المشوي والذرة المسلوقة والكثير من الناس.
بينما يجذب اسم السوق السياح العرب والأجانب على حدٍّ سواء، حيث يبدو وجود سوق مصري في مدينة تركية غريبًا ويستوجب الاستكشاف الذي تحرص عليه شركات السياحة في برامج مجموعاتها.
ولن يخيب أمل الزائرين للمكان، فالسوق تاريخي يعود لنحو 400 عام، بجانب تصميمه المعماري الذي يتكون من نحو مئة محل تجاري، متراصة ومتقابلة ومسقوفة بالقباب.
ويشكل السوق حرف "L" باللغة الإنجليزية، وله عدة أبواب، بينما تزين سقفه وواجهات محاله الزخارف والرسومات التي تعكس قِدمه وانتماءه لأسلوب معماري قديم.
وعلى شاكلة الأسواق القديمة والقصص التاريخية التي تروى عنها، تغلق محال السوق في أول المساء، ومن ثم يغلق الحراس أبوابه الخشبية في مشهد يحرص كثير من السياح على توثيقه بالصور، قبل أن يفتح مجددًا في الصباح الباكر.
تعترض الزوار العرب عبارات بلغتهم الأم، معلقة على كثير من الواجهات، لتشرح نوع البضائع ومزاياها، فكثير مما تبيعه المحال هو توابل وزيوت وأعشاب متعددة الاستخدامات الطبية والغذائية.
بينما اختارت محال تجارية أخرى الاستعانة ببائعين أو مترجمين عرب بعد أن بات السوق الذي ذاع صيته بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، وجهة رئيسية ومفضلة للسياح القادمين من الدول العربية.
زبائن مصريون في سوق يحمل اسم بلدهم توقفوا أمام محل يعرض أنواعًا كثيرة من الورود والأعشاب والنباتات العطرية التي تستخدم على شكل مشروبات ساخنة أو باردة أو لإعداد خلطات طبية، وانتهاءً بمنح نكهات للحلويات والأطعمة.
بينما يسأل بائع سوري في محل تجاري آخر افتتحه وسط السوق المصري، زبائنه العرب عن طلبهم رغم انشغالهم بتصوير سقف السوق الطويل والمزين بزخارف مرتبة تنافس ترتيب البضائع في المحل الذي تخصص ببيع الحلويات، ولا سيما الراحة التركية بأنواعها العديدة.
ويتجدد زبائن السوق المصري بشكل كلي بضع مرات في اليوم رغم طول السوق ومحاله الكثيرة، حيث يقع قرب محطة ترام تنقل الركاب في مسار مزدحم بالمعالم الدينية والتاريخية القريبة، مثل: المسجد الأزرق، ومسجد آيا صوفيا.
كما تنقل العبارات البحرية الركاب، وأغلبهم سياح، بين ضفتي البوسفور، آخذة مجموعة من السياح نحو القسم الآسيوي، بينما تعود محملة من هناك بسياح جدد جاؤوا لرؤية الجانب الأوروبي، بدءًا من السوق المصري.
وليس هذا كل شيء عن السوق المصري، فالسوق افتتح أبوابه في الأساس عام 1664 ميلادية ليكون وقفًا يدر المال على مسجد كبير وتاريخي بني قربه تمامًا تحت اسم "المسجد الجديد" الذي يشكل بدوره مَعلمًا تاريخيًّا يستقطب الزوار.
لكن السوق المصري اكتسب لنفسه اسمًا آخر بدل اسمه القديم الذي اقتبسه من المسجد، عندما كان "السوق الجديد"، حيث أسهمت البضائع التي يأتي كثير منها عبر مصر، في منحه اسمه المصري الذي بات اسمه الرسمي المكتوب على أبوابه.
وتقود تلك الأبواب إلى المسجد الجديد والعبارات البحرية ومقاعد الاستراحة والانتظار الخشبية المطلة على البوسفور، وإلى شوارع تعج بالمطاعم وأخرى بالفنادق ومسار يقود نحو معالم تاريخية أخرى، تحيط كلها بالسوق المصري دون أن تسرق الضوء منه.