يكشف البروفسور والباحث الأمريكي غاري ماركوس عن وجه صادم للذكاء الإصطناعي يتمثل في تحوله تدريجيا إلى "سجن رقمي" يصادر على حرية البشر، تمهيدا لعصر مخيف من "الفاشية الناعمة" التي نفقد فيها إرادتنا المستقلة ونتجه، دون أن ندري، نحو خيارات مرسومة لنا مسبقا.
جاء ذلك في الكتاب المثير للجدل "ترويض وادي السيليكون" الذي يتناول نقديا أبرز المنتجات التكنولوجية المصنعة في "وادي السيليكون" بالولايات المتحدة والذي كان يبشر بمعرفة مجانية مشاعة عبر تمكين كافة المستخدمين من المعلومات المتنوعة، فإذ به يتحكم فيما نقرأه ويحدد ما نعرفه ويرسم ما نعتقده.
ويرى الكتاب أن الفاشية القديمة اعتمدت على الجيوش والشرطة والإعلام الموجه حتى تضمن السيطرة على الجموع، أما "الفاشية الرقمية" التي يبشر بهذا الذكاء الإصطناعي فتعمل بطريقة أكثر أناقة وأشد خبثا ومكرا، فهى لا تفرض عليك ما تفعل؛ بل تدفعك إلى فعله دون أن تدري.
ويضرب المؤلف مثلا بالخوارزميات، فهى حين ترشح لك "ما قد يعجبك" لا تقدم في الحقيقة "مقترحا"، بل توجّهك بطريقة غير مباشرة، لتفعل ما أرادته هي سلفا وتظن أنت أنك صاحب القرار.
وعندما تجمع نفس الخوارزمية العديد من البيانات عنك بهدف معلن هو"تخصيص تجربتك" فإنّها في الواقع تكتب سيرتك الذاتية وتتعرف على احتياجاتك النفسية وتتعمق في ميولك واتجاهاتك بدقة تفوق ما تعرفه أنت عن نفسك.
على هذه الخلفية، يؤكد غاري ماركوس أن "الفكرة القديمة عن الاستبداد تغيرت، فلم يعد المرء يواجهه وهو يتلقى ضربات عنيفة من هراوات الشرطة أو يتعرض للتعذيب في أقبية السجون، بل عبر الهاتف المحمول أو التابلت أو اللابتوب"، على حد تعبيره.
ويرفض ماركوس تصنيف شركات مثل "غوغل" و"ميتا" و"مايكروسوفت" و"أوبن إيه آى" على أنها تنتمي إلى السوق الحرة، بل يراها أداة تستهدف إخضاع البشر إلى نوع من "الاحتكار العقلي العالمي" عبر "نخبة الفاشيين الجدد" الذين يطلون علينا في صورة مبرمج أو مدير تقني أو مستثمر مغامر، وفق قوله.
ويختتم المؤلف كتابه بعبارة شديدة الدلالة قائلا: "لم يزل لدينا خيار، يمكننا أن نعيد رسم العلاقة بين التكنولوجيا والمجتمع، شريطة أن نعترف أولاً بأننا فقدنا السيطرة".
ويضيف: "كتابي هذا لا يدعو إلى كراهية التقنية، بل يسعى لتحريرها من عبادة السوق، وألا تتحول القيم إلى كُود، وألا يتحول الإنسان إلى متغيرٍ في معادلة إحصائية".