تزداد في السنوات الأخيرة حالات القطيعة التامة بين الأبناء وذويهم، وهي ظاهرة أصبحت محطّ اهتمام المختصين في العلاج النفسي، خاصة بعد أن أصبحت من بين الأسباب الرئيسة التي تدفع كثيرين لطلب الدعم النفسي.
وبحسب ما توضحه بريغيت غوبل، الاختصاصية في العلاج النفسي، في مقابلة مع القناة الألمانية NDR، فإن بعض الأبناء يصلون إلى مرحلة قرار القطع الكامل للعلاقة مع الوالدين بعد تراكم طويل من الصراعات، أو بسبب تدخل الأهل المفرط في حياتهم. وتقول: "أحياناً يرى الأبناء، من خلال علاقتهم مع الشريك، كيف يمكن أن تبدو الأسرة المتوازنة، فيبدؤون بوضع حدود لم يكونوا يعرفونها من قبل".
وتضيف غوبل أن من بين الأسباب الشائعة أيضاً: الحماية الزائدة، التدخل المستمر، و"حبّ السيطرة" من قِبل الأهل، أو ما يُعرف بـ"الآباء الهليكوبتر"، الذين يراقبون كل تفاصيل حياة أبنائهم بشكل خانق.
وترى غوبل أن هذه القرارات قد تمنح شعوراً بالارتياح المؤقت، لكنها غالباً لا تجلب السعادة الكاملة. "كثير من الأبناء يشعرون بتحسّن بعد الانفصال، لكنهم لا يشعرون بالرضا. فالجميع يتمنّى علاقة صحية مع والديه"، على حد قولها.
ويشير بعض الباحثين، مثل جوشوا كولمان في تقرير سابق لـ BBC، إلى أن هذا النوع من الانفصال أصبح يُفهم اليوم كـ"نمو شخصي" أكثر من كونه تمرّداً أو قطيعة تقليدية. ويضيف أن "اتخاذ قرار بشأن من نُبقيه في حياتنا ومن نُبعده أصبح استراتيجية بحد ذاتها"، خاصة في ظل الفجوات الواسعة في القيم بين الأجيال.
من جانبه، أشار الباحث كارل أ. بيلمر، أستاذ التنمية البشرية في جامعة كورنيل (الولايات المتحدة)، في دراسة نُشرت عام 2020، إلى أن الخلافات حول قضايا مثل التوجه الجنسي، أو الدين، أو أنماط الحياة غير التقليدية، باتت من أبرز دوافع الانفصال العائلي بين الأهل والأبناء.
ويشير الخبراء إلى أن هذه الظاهرة لا تزال مؤلمة ومعقّدة، لكن واقعها المتنامي يدفع إلى ضرورة فهمها بشكل أعمق، وربما إعادة تعريف مفهوم "العائلة" في عالم سريع التغيّر.
